“حزب الله” استعاد المبادرة.. و”إسرائيل” تريد تغيير “ميزان القوى” داخل لبنان!

استعاد “حزب الله” المبادرة بعد تعرضه سلسلة من الضربات الإسرائيلية المؤلمة. يُقاوم، ويُعد كمائن للقوات الإسرائيلية في لبنان، ويكثف الضربات بالمسيرات والصواريخ في عمق كيان الاحتلال الإسرائيلي.

صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية رأت أن الهجمات تظهر أن “حزب الله”، على الرغم من إضعافه بعد مقتل جيل من قادته الكبار وتدمير بعض أسلحته، لا يزال قادراً على تحويل أعنف صراع يشهده لبنان منذ عقود إلى صراع طويل الأمد بالنسبة لـ”إسرائيل”.

وأضافت الصحيفة في تقرير أعده جاريد مالسين أن “حزب الله” يطلق الصواريخ على “إسرائيل” منذ أكثر من عام لإظهار تضامنه مع الفلسطينيين في غزة. وفي حين أسفرت تلك الصواريخ عن أضرار محدودة وإصابات قليلة، فقد أدت إلى نزوح عشرات الآلاف من الأشخاص من الشمال واستنزاف الموارد الإسرائيلية حيث تنفق “إسرائيل” بكثافة لاعتراضها.

وتابعت: “كان غزو إسرائيل لجنوب لبنان في أواخر أيلول/ سبتمبر، والذي أدى في حد ذاته إلى نزوح مئات الآلاف من الناس، يهدف إلى إجبار حزب الله على وقف هجماته. وبدلاً من ذلك، فإنه يزيد من حدتها”.

وقد أصاب هجوم بمسيّرة لـ”حزب الله” خلال عطلة نهاية الأسبوع مقر إقامة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو في قيسارية، على بعد أكثر من 40 ميلاً من الحدود اللبنانية، وهي المرة الثانية في أسبوع التي أظهر فيها “حزب الله” قدرة على اختراق الدفاعات الجوية الإسرائيلية باستخدام المسيّرات.

فقد أسفر هجوم قبل ذلك بأيام عن مقتل أربعة جنود إسرائيليين في قاعدة لوحدة النخبة العسكرية. ونشر “حزب الله” لقطات فيديو قال إنها أظهرت قصف مجموعة من الجنود الإسرائيليين في قرية رامية في جنوب لبنان. ويبدو أن الفيديو، الذي تم تصويره من الصاروخ نفسه، يظهر استخدام صواريخ مضادة للدبابات موجهة من قبل الجماعة، والتي كانت أسلحتها الأكثر فتكاً في الحرب الأخيرة التي خاضتها مع إسرائيل في عام 2006.

كما ارتفعت وتيرة إطلاق “حزب الله” للصواريخ، حيث أطلق الحزب ما معدله 200 صاروخ وقذيفة كل يوم خلال عطلة نهاية الأسبوع. وخلال الأسابيع السابقة، كان متوسطها بضع عشرات فقط في اليوم.

وتظل عمليات إطلاق “حزب الله” للصواريخ هي أقل مما توقعه المسؤولون الإسرائيليون في حالة اندلاع حرب واسعة النطاق، وهي ما اعتبرت علامة على تدهور قدرات الجماعة. ولكن “إسرائيل” تقول إن معظم هجمات “حزب الله” يتم اعتراضها من قبل الدفاعات الجوية الإسرائيلية، بتكلفة تبلغ حوالي 100 ألف دولار لكل طائرة بدون طيار وما يصل إلى عدة ملايين من الدولارات لكل صاروخ تسقطه.

ومع ذلك، يظهر “حزب الله” قدرته على إعادة التجمع بسرعة تحت الضغط. ويقول المحللون العسكريون إن وحداته المسلحة تدربت على العمل بدرجة ما من الاستقلالية، مما يجعل من الأسهل عليها الاستمرار في القتال حتى عندما يقتل كبار القادة ويتم تعطيل الاتصالات الداخلية.

واعتبرت الصحيفة أن هذه القدرة على البقاء والاستمرار في القتال تزيد من خطر قيام “إسرائيل” بإرسال جيشها إلى صراع دموي وطويل الأمد.

وقالت ريم ممتاز، المحللة الأمنية المقيمة في باريس وتعمل مع معهد “كارنيغي” أوروبا للسياسات: “لا يزال حزب الله لديه استراتيجيته الأساسية، وهي التمسك بأرضه في الجنوب في مواجهة أي نوع من الهجوم البري أو التوغل أو التقدم الإسرائيلي. إنه موطن حزب الله. إنهم يعرفون كل زاوية وركن، وسوف يستخدمون هذه الميزة”.

وتابعت الصحيفة: يتزامن توسع الهجمات الصاروخية بعد مقتل زعيم “حماس” يحيى السنوار في غزة، وهي الوفاة التي اعتقد بعض المحللين أنها قد توفر مخرجاً لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لإنهاء الحروب في كل من غزة ولبنان. ولكنه قال في اليوم التالي إن الحرب ستستمر، في حين تعهد “حزب الله” بتصعيد رده على غزو “إسرائيل” للبنان.

وبدأ القادة الإسرائيليون يتحدثون عن أهداف أكثر طموحاً لهجومهم الأخير، إلى جانب هدفهم المعلن الأولي المتمثل في جعل المجتمعات في الشمال آمنة.

وشن الجيش الإسرائيلي هذا الأسبوع غارات جوية على فروع بنك تابع لـ”حزب الله”، والتي قال مسؤولون إسرائيليون إنها كانت تهدف إلى تقويض قاعدة دعم الجماعة.

كما دعا نتنياهو في وقت سابق من هذا الشهر الشعب اللبناني إلى الانتفاضة ضد “حزب الله”.

وقال مسؤول عسكري إسرائيلي كبير: “إن القتال هناك معقد للغاية. والهدف هو شل حزب الله بشدة من أجل تغيير ميزان القوى في لبنان”.

حتى الآن، كانت “إسرائيل” قادرة على استخدام مزاياها، بما في ذلك القوة الجوية وعمليات الاستخبارات والمراقبة المتطورة، لوضع “حزب الله” في موقف دفاعي.

ويقول المحللون العسكريون والدبلوماسيون إن الحزب لا يزال قادراً على استيراد المزيد من الأسلحة لتحل محل بعض ما تم تدميره، وخاصة عبر حدودها مع سوريا، ولديها عمليات جاهزة لاستبدال كبار القادة الذين قتلوا.

وقال دانيال بايمان، وهو زميل بارز في “مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية” في واشنطن ومسؤول سابق في الحكومة الأميركية: “إنها مجموعة قادرة على التكيف. إنها ذكية للغاية. إنها مصممة للغاية. إنهم على استعداد لتحمل الخسائر. لن أستبعد حزب الله أبداً، لكنني أعتقد أنهم تعرضوا لضربة شديدة”.

وأظهر “حزب الله” أنه قادر على توسيع هجماته إلى عمق كيان الاحتلال الإسرائييل. خلال الأسبوع الذي بدأ في الثاني والعشرين من أيلول/ سبتمبر، أي بعد نحو أسبوع من الهجوم الإسرائيلي باستخدام أجهزة “بيجر” بلغ متوسط عمق ضربة “حزب الله” نحو 17 ميلا داخل الأراضي المحتلة، وفقاً لبيانات من موقع بيانات الأحداث والصراعات المسلحة وجمعها مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية. وهذا أعلى من متوسط نحو 2.4 ميلاً على مدى ما يقرب من عام من القتال عبر الحدود في السابق.

من المرجح أن يأتي الاختبار الحقيقي لكل من جيش الاحتلال الإسرائيلي و”حزب الله”، إذا ما اختار قادة “إسرائيل” إرسال قواتهم إلى عمق أكبر داخل الأراضي اللبنانية، حيث يتمتع مقاتلو “حزب الله” بميزة القتال على أرضهم.

حتى الآن، دخلت القوات الإسرائيلية ثماني قرى على الأقل، وكلها على بعد ميل واحد من الحدود، وفقاً لتصريحات إسرائيلية ومن “حزب الله”، وكذلك من خلال تحديد موقع الجنود الإسرائيليين من قبل شركة “لي بيك” وهي شركة استشارية استخباراتية.

وقد استخدمت قوات “حزب الله” قنابل يتم تفجيرها عن بعد وقذائف الهاون والصواريخ للرد، وفقاً لمسؤولين عسكريين إسرائيليين.