تقرير أميركي: هل “انتهت اللعبة” بعد اغتيال قادة “حزب الله” وحماس”؟

كشفت مجلة “ذي نيويوركر” الأميركية أن تحليلاً سرياً أجرته وكالة استخبارات الدفاع الأميركية، حذر قبل ما يقرب من عقدين من الزمان، من أن “الهجمات الإرهابية العالمية” التي خطط لها أبو مصعب الزرقاوي، زعيم تنظيم “القاعدة” في العراق، سوف تستمر حتى لو تم القبض عليه أو قتله.

وفي عام 2006، قتلت غارة جوية أميركية الزرقاوي في منزل آمن في غابة نخيل عراقية، فيما وصفه الرئيس جورج بوش الابن بأنه “ضربة شديدة لتنظيم القاعدة”، معتبراً أنه “انتصار في الحرب العالمية على الإرهاب، وهي فرصة للحكومة العراقية الجديدة لتحويل مسار هذا الصراع”. بعد ذلك بدأت الحركة تتلاشى في غياهب النسيان.

ومع ذلك، تطورت البقايا إلى ما أصبح يعرف بتنظيم “داعش” الذي اجتذب عشرات الآلاف من المقاتلين الذين استولوا على ثلث العراق وسوريا في عام 2014. ولا تزال القوات الأميركية، التي انتشرت في العراق وسوريا عام 2014، هناك، لاحتواء الخلايا السرية التي تنفذ التفجيرات والخطف والاغتيالات.

وأوضحت كاتبة المقال روبن رايت أن “الحركات الإرهابية التي تستهدفها الولايات المتحدة، عادة ما تميل إلى التجدد بعد النكسات العسكرية الكبرى، حتى بعد مقتل قادتها، وهو نمط دائما ما واجه الرؤساء الأميركيين الأربعة السابقين”.

وأضافت أن “سجلهم في الشرق الأوسط يعطي تحذيراً مخيفا للمنطقة الأوسع، حيث اغتالت إسرائيل في الأشهر الأخيرة ثمانية من كبار القادة العسكريين والسياسيين لحركة حماس وحزب الله”.

وحذر ريان كروكر، السفير الأميركي السابق في لبنان وسوريا والعراق وأفغانستان وباكستان والكويت، من أن “الهزيمة لا يمكن تحديدها إلا من الطرف الذي هُزم ظاهرياً، وليس المنتصر المفترض. وإذا شعر المرء بالهزيمة، فقد هزم. وإذا لم يشعر بذلك، فإنه يواصل القتال”. وأضاف أنه “لا يوجد شيء في الصراع الحالي يشير إلى أن حماس أو حزب الله، أو رعاته الإيرانيين، يشعرون بالهزيمة”.

وتقول رايت إن “إسرائيل تشعر الآن بالتفاؤل في تقدمها العسكري. حتى وقت قريب، استمرت الحرب في غزة لأشهر والحرب الخفية مع حزب الله لعقود من الزمن”.

وتصور جدارية غرافيتي ضخمة جديدة على جدار في تل أبيب يحيى السنوار، زعيم حماس، على شكل فأر عملاق. وكتب بجانب الرسم: “انتهت اللعبة”.

وقد رقص الإسرائيليون في الشوارع بعد أن قتلت غارة جوية حسن نصر الله، الأمين العام لـ”حزب الله” الذي طالما كان مراوغا. لقد أعلن أحد المنقذين عبر مكبر الصوت أمام مرتادي الشاطئ في تل أبيب: “بكل سعادة وفرح وابتهاج، نعلن رسميا أن الفأر حسن نصر الله قد اغتيل”.

وتعلق أن هذا “الانتصار” ليس إستراتيجية مستدامة للقرن الحادي والعشرين، بحسب بول سالم، الذي يعمل في بيروت نائباً لرئيس معهد الشرق الأوسط. وقال إن القضاء على القادة الأعداء هو نوع من النصر باهظ الثمن، لأن الحملات العسكرية لم تفعل سوى “رفع جدران الكراهية” وتأجيج التطرف “كموقف” بين “الإسرائيليين” والعرب في مختلف أنحاء المنطقة. وما لم تقدم “إسرائيل” خطة مستدامة توفر للفلسطينيين مساحة سياسية رسمية في مقابل الأمن، فإن خطر التصعيد سيزداد.

وتذكر الكاتبة أن نمط حماقة التفاخر قبل الأوان بالاغتيالات “الناجحة” التي تؤدي إلى زوال الحركات الراسخة، موثق جيداً. ففي عام 2011، أدت غارة للقوات الأميركية الخاصة إلى مقتل أسامة بن لادن منذ أن خطط زعيم “القاعدة” المولود في السعودية لهجمات الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر على “مركز التجارة العالمي” والبنتاغون.

وفي إعلانه عن وفاة بن لادن، وصف الرئيس باراك أوباما “الخطوات الكبيرة” التي قطعتها عمليات مكافحة الإرهاب الأميركية، بما في ذلك الإطاحة بحكومة “طالبان” في أفغانستان.

ولكن “طالبان” عادت إلى السلطة منذ عام 2021، بعد أن أجبرت الحكومة المدعومة من الولايات المتحدة في كابول على الانهيار. وفي هذا العام، أفادت الأمم المتحدة أن “طالبان” تساعد وتشجع مرة أخرى تنظيم “القاعدة”، الذي يدير الآن ثمانية معسكرات تدريب وخمس مدارس دينية في أفغانستان.

قال حسن حسن، المؤلف المشارك لكتاب “تنظيم الدولة: داخل جيش الإرهاب”، إن الفوضى قصيرة الأمد في أعقاب قطع رأس زعيم حركة ما “أمر مفروغ منه تقريباً”. فهو يقوّض الحركة “تكتيكياً واستراتيجياً وأيديولوجياً ورمزياً. وغالباً ما تكون الكاريزما لهذه الجماعات مفيدة مثل الأسلحة المتطورة”. ولكن “الارتباك والانقسامات الأيديولوجية والقدرة التشغيلية الضعيفة” في أعقاب ذلك مباشرة، يمكن أن تؤدي أيضاً إلى “تحول طويل الأمد”.

في عام 2019، أعلن الرئيس دونالد ترامب وفاة أبو بكر البغدادي، مؤسس وزعيم تنظيم “داعش”، عندما فجّر المتشدد المولود في العراق سترة انتحارية أثناء غارة عسكرية أميركية على مخبئه المعزول في سوريا. قال وزير الدفاع السابق مايك إسبر: “عندما تقضي على زعيم مثل هذا، فسيكون لذلك تأثير كبير على المنظمة”.

لكن بعد خمس سنوات، قدم مجتمع الاستخبارات الأميركي تحذيراً صارخاً في أحدث تقييم للتهديدات. على الرغم من أن تنظيم “القاعدة” في “الحضيض العملياتي” في أفغانستان وباكستان، وأن تنظيم “داعش” عانى من “خسائر قيادية متتالية” في العراق وسوريا، فإن فروعه الإقليمية “ستستمر في التوسع”. لم ينته أي منهما. لقد أنتج كلاهما فروعاً قاتلة في أفريقيا والشرق الأوسط وجنوب آسيا.

بعد أن نشرت “إسرائيل” لقطات من كاميرا طائرة مسيرة للحظات الأخيرة من حياة السنوار، وهو مصاب ومحاصر في كرسي متهالك مغطى بالغبار، تم الترحيب بزعيم “حماس” على نطاق واسع في العالم العربي باعتباره شهيداً. انتشرت صورة له وهو جالس على الكرسي.

في عام 2020، قتلت غارة جوية أميركية الجنرال قاسم سليماني، قائد “فيلق القدس” في “الحرس الثوري” الإيراني، أثناء رحلة إلى بغداد. وعمل سليماني طوال مسيرته على تنسيق عمليات محور المقاومة الإيراني، بما في ذلك المليشيات الكبيرة في لبنان وسوريا والعراق واليمن وغزة. كما قتلت الضربة أبو مهدي المهندس، زعيم “كتائب حزب الله” العراقية والذي استقبل سليماني في مطار بغداد. وبعد أن أعلن ترامب أن الضربة قد تم تنفيذها، تعهد بمواصلة اتخاذ “أي إجراء ضروري”.

ومع ذلك، خلص تقييم الاستخبارات الأميركية لعام 2024 إلى أن طهران تواصل تسليح شبكتها ومساعدتها لتهديد الولايات المتحدة وحلفائها، وستستمر في القيام بذلك بشكل جيد بعد الحرب في غزة.
في 19 تشرين الأول/ أكتوبر، وبعد يومين من وفاة السنوار، التقى عباس عراقجي، وزير الخارجية الإيراني، في إسطنبول بقادة “حماس”، بما في ذلك المرشحين لخلافة السنوار. والآن تتحمل “كتائب حزب الله “المسؤولية عن أكثر من مئة هجوم على القوات الأميركية في العراق وسوريا.
وعلى الرغم من الخسائر التي تكبدتها “حماس” و”حزب الله” في الأشهر الأخيرة، فمن المرجح أن “تستعيدا عافيتهما” بشكل أو بآخر، نظراً لأن مظالم المجتمعات التي تمثلها لن تتفاقم إلا وسط الدمار المادي في غزة ولبنان، كما أشار جوست هيلترمان، مدير برنامج الشرق الأوسط في مجموعة الأزمات الدولية.

وفي الوقت نفسه، فإن الضربات الأكثر أهمية التي ستوجّه إلى “حماس” و”حزب الله”، قد تخلق فراغات خطيرة. وقال هيلترمان إنه في غزة “لن يتمكن أحد من توفير الأمن والحكم لسكان يبلغ عددهم 2.2 مليون نسمة على وشك المجاعة”. وتنمو العصابات الإجرامية بالفعل هناك، وفي الضفة الغربية. وفي لبنان “قد تستغل ميليشيات أخرى الوضع – ربما بمساعدة قوى خارجية – لمحاولة إبعاد حزب الله عن المشهد المحلي”.

كان كروكر، السفير الأميركي السابق الذي يشغل الآن منصب رئيس الدبلوماسية والأمن في مؤسسة “راند”، في السفارة الأميركية ببيروت عندما أرسل “حزب الله” في عام 1983 انتحارياً قتل أكثر من ستين شخصاً. ومنذ ذلك الحين، لم يتوقف “حزب الله” عن النمو، على الرغم من النكسات المتكررة، بما في ذلك اغتيال “إسرائيل” لسلف نصر الله في عام 1992. يقول كروكر: “لقد ولد حزب الله في ظل احتلال إسرائيلي لجنوب لبنان. ومن غير المرجح أن يُهزم في ظل احتلال مماثل”.

وفي ظل جولة وزير الخارجية أنطوني بلينكن، وزيارة المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين، تقلل الكاتبة من إمكانية تحقيق تقدم على أي من الجبهتين، وخاصة إذا لم يقدم بلينكن سوى نسخ من الخطة المكونة من ثلاث مراحل التي أعلن عنها الرئيس بايدن في أيار/ مايو، كما قال دان كيرتزر، السفير الأميركي السابق لدى “إسرائيل” ومصر.

وأضاف: “لم يتغير شيء بما يكفي لقبول الصفقة القديمة”. وفي عام 2010، التقى كيرتزر بخالد مشعل، أحد كبار قادة “حماس”. وقال إن من غير الواقعي اليوم أن نعتقد أن “حماس” ستلوح بالراية البيضاء.

ويتمثل الخطر الذي يهدد إدارة بايدن في تبني اعتقاد رئيس حكومة “إسرائيل” بنيامين نتنياهو بأن الوقت قد حان للتعامل بحسم مع عدوهم المشترك: إيران وحلفاؤها. وحذر هيلترمان من أن “هذا يرفع مفهوم الذيل الذي يهز الكلب إلى مستوى جديد”.

وقارن خبراء آخرون هدف نتنياهو المتمثل في خلق نظام إقليمي جديد بالوسائل العسكرية، بتعهد إدارة بوش باستخدام الحرب ضد صدام حسين في العراق قبل أكثر من عقدين من الزمان لخلق شرق أوسط جديد.