هل من “ترياق” يأتي من الدوحة؟

| جورج علم |

من الصعب جدّاً تحديد مواصفات اليوم التالي في لبنان في ظلّ عدو إسرائيلي يريد فرض ترتيبات أمنيّة وسياسيّة، وفق دفتر شروطه، ومقتضيات مصالحه. وفي ظل موقف إيراني يرفض وقفاً لإطلاق النار إلاّ بعد أن ينال ما يريده من الغرب الأميركي ـ الأوروبي. وفي ظل أميركي محشور في الإنتخابات الرئاسيّة، ويريد أن يعطي بنيامين نتنياهو ما يريده في حربه المفتوحة. وفي ظل مجتمع دولي “يتفرّج”، ويكتفي بالبيانات، والمواقف الإعلاميّة.

وفي ظل حكومة تصريف أعمال تطالب المجتمع الدولي المساعدة على وقف فوري للقتال، وتنفيذ القرار 1701، من دون أي صدى إيجابي؟

الأدهى، أن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش يطالب الحكومة بتنفيذ القرار 1559، وتجريد “حزب الله” من سلاحه، وهو العليم بمجريات الأمور، ويعرف سلفاً لو أنها قادرة على تنفيذ ما يطالب به، لما كان لبنان قد بلغ ما بلغه من إنهيار، وإستباحة، وتفكك. المشكلة أن بيروت تستقوي بالأمم المتحدة، ومجلس الأمن الدولي، وتعوّل على قوات حفظ السلام الدوليّة “اليونيفيل” للقيام بهذه المهمة، وقد انتدبت إلى الجنوب لمساعدة الدولة اللبنانية على تنقيذ القرارات الأمميّة، لكن هذه الأخيرة كانت مخطوفة وتأتمر بأوامر “محور الممانعة” المهيمن على عواصم عربيّة أربع.

ويستغلّ رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو الظروف الأميركيّة ـ الأوروبيّة ـ الدوليّة المتاحة ليطالب الأمين العام للأمم المتحدة، ومجلس الأمن، بسحب قوات “اليونيفيل”، متجاهلاً القرار 1701، وسائر القرارات الدوليّة ذات الصلة، ويطمح إلى فرض واقع جديد على لبنان تحت شعار تأمين الضمانات الأمنيّة التي تسمح للمستوطنين العودة الآمنة إلى مستوطناتهم شمال فلسطين المحتلة.

وحتى كتابة هذه السطور، لا تزال الأمم المتحدة، ومجلس الأمن الدولي، يرفضان التجاوب مع مطلب نتنياهو، لكن الموقف الأميركي ملتبس و”حمّال أوجه”، ينصح تل أبيب بأن لا تقدم على التعرّض لقوات “اليونيفيل”، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، يؤيدها، ويدعمها في تحقيق بنك أهدافها بقوّة النار!

ويبقى السؤال: إلى ما ستنتهي هذه المعركة المفتوحة ما بين نتنياهو وغوتيريش حول مصير ومستقبل “اليونفيل”؟ وهل سينتصر مجلس الأمن الدولي لهيبته، وسمعته، وما تبقّى له من رصيد معنوي، ويبقي على “القبعات الزرق” في الجنوب، ويحمي قراره 1701 من الإغتيال الإسرائيلي، أم أنه سيتراجع بفعل ضغط أميركي مباشر، إفساحاً في المجال أمام نتنياهو لعلّه يستطيع تحقيق ما يصبو إليه؟!

لقد سبق للأخير وأعلن بأن كلّ لبنان قد تحوّل إلى بنك أهدافه. إن مرحلة جديدة قد بدأت بتدمير المدن. وإن قرار وقف النار في الجنوب ليس عند الحكومة اللبنانيّة، بل عند طهران، وقد تحوّل لبنان إلى خط تماس بين محور الممانعة ومن يشدّ أزره، والمحور الإسرائيلي ـ الأميركي، ومن معه. وإن لا مصلحة لتل أبيب بوقف النار إلاّ بعد أن تفرض الترتيبات الأمنيّة التي تريدها بحجة إعادة المستوطنين بشكل آمن إلى مستوطناتهم. وإن إيران، بدورها، لا مصلحة لها إلاّ بعد أن تنال الكثير من التنازلات التي تريدها من الغرب الأميركي ـ الأوروبي، لإنعاش إقتصادها، وتحرير نفطها من العقوبات، والإفراج عن ودائعها المجمّدة في العواصم الغربيّة، والإنفاق على خريطة طريق واضحة في ما يتعلّق بمصالحها على طول الشريط الممتد من بحر غزّة، حتى البحر الأحمر، وأيضا برنامجها النووي.

وفي ظلّ هذه الأجواء المشحونة، والملبّدة بتحديات مصيريّة تتهدّد الكيان اللبناني، يأتي بريق أمل من الدوحة بعد الخطاب الذي القاه الأمير الشيخ تميم بن حمد في إفتتاح القمّة الثالثة للتعاون الآسيوي، حيث أعلن أن “حكّام إسرائيل يعتقدون أن الفرصة متاحة لتطبيق مخططاتها في لبنان، وتقف مؤسسات المجتمع الدولي عاجزة إزاء التصعيد الأخير للعدوان الإسرائيلي على لبنان الذي تتّسع رقعته يوما بعد يوم من إنتهاك صارخ لكافة الأعراف، والقوانين الدوليّة”.

وحذّر من “عواقب عدم محاسبة إسرائيل على ما إرتكبته من جرائم ضدّ الإنسانيّة، وعلى رفضها لتطبيق قرارات الشرعيّة الدوليّة المتعلّقة بإنهاء الإحتلال، وحل القضيّة الفلسطينيّة حلاّ عادلا، الأمر الذي جعلها لا تقيم وزناً للقانون الدولي، وأطلق أيدي حكّامها في فلسطين ولبنان”.

ودعا “إلى العمل الجاد لوقف إطلاق النار، والإعتداءات التي يقوم بها الإحتلال الإسرائيلي على الأراضي اللبنانيّة”.

بعد هذه المواقف، هل يأتي ترياق ما من الدوحة، وسط الأفق المسدود؟ وهل من “دوحة ثانية” لإنقاذ لبنان قبل فوات الأوان، خصوصاً وأن الدبلوماسيّة القطريّة إستعادت زخمها في الآونة الأخيرة، سواء في بيروت، أو في بعض عواصم دول القرار؟