“سباق تسلّح” مختلف يربك قدرات “إسرائيل”.. ويعطّل “المغامرات”!

/ علاء حسن /

ظهر “سباق التسلح” كمصطلح يدل على التنافس بين الدول، من أجل الحصول على قدرة عسكرية تفوق الدول الباقية، إما لهدف الضغط أو السيطرة، وإما من أجل التخلص من التهديدات الآتية من خلف الحدود.

وقد نظّر الاستراتيجيون كثيراً لهذه المقولة واستخداماتها، المباشرة وغير المباشرة، وكيفية التأثير على الدول أمنياً واقتصادياً، انطلاقاً من لعبة التسلح التي لا تنتهي.

ولبنان، الذي كان عرضة للعدوان الاسرائيلي منذ منتصف القرن الماضي، إلى أن استطاعت المقاومة فرض المعادلات، كان يعاني من هوة كبيرة في القدرة التسليحية بين جيش الاحتلال وبين الجيش اللبناني، الأمر الذي جعل نظرة الصهاينة إلى لبنان، نظرة استخفاف، حتى قيل إن لبنان يمكن احتلاله بفرقة كشافة!

ومع ظهور المقاومة، بشتى توجهاتها وفصائلها، برز تحدٍ جديد مرتبط بسقف التطوير الذي يمكن للمقاومة السعي نحوه، خصوصاً مع فارق الدعم المالي والتقني الذي يستطيع كيان العدو الحصول عليه في مقابل المقاومة.

تكونت بعض الآراء التي تميل نحو عدم المبالغة في تطوير القدرات، لكون هذا التطوير مكلف للغاية ويستنفد امكانيات المقاومة، المالية واللوجستية، ولن يحقق هدفه، لأن الكيان يستطيع بلوغ سقف أعلى وبسرعة أكبر، مما يجعل المقاومة في دوامة البحث عن الجديد، من دون التمكن من رسم أسقف للتعامل مع العدو.

وانطبق هذا الأمر على التنافس الإيراني ـ الأميركي، وعلى فصائل المقاومة، في العراق وفلسطين، وأنحاء أخرى من العالم.

لذا، كان الخيار لما سمي لاحقاً بــــ “الحرب اللامتماثلة” التي يتمكن فيها الطرف الأضعف من توجيه ضربات موجعة للطرف الأقوى، من دون أن يتمكن هذا الأخير من توجيه الضربات ذاتها، والأمثلة على ذلك عديدة.

ثم وضع التركيز على الإنسان. الإنسان الذي يقاتل بروحه قبل جسده، وبفكره الواعي قبل الانضباط العسكري، ما يجعل منه انساناً لا يقهر، وصانعاً لمعادلة “الإنسان مقابل الآلة الحربية”. وقد أثبتت هذه النظرية نجاحها وفعاليتها، خصوصاً في فلسطين المحتلة.

وفي مرحلة لاحقة، اكتشف المقاومون ثغرة مهمة في البنية الأمنية للعدو، تتمثل في قدرته على تحمل الضربات النوعية التي تمس مستوى الردع لديه، مما يمكن من خلال هذه الثغرة تخفيف الهوة التقنية بين الطرفين، من دون الانغماس في لعبة التسلح التي لا تنتهي، لأن السقف الذي يمكن للعدو الوصول إليه بلغ حد النهايات ولم يعد مفتوحاً إلى ما لا نهاية، وفي المقابل تستطيع المقاومة، وبتقنيات جيدة، مجاراة العدو في تقنياته الحديثة والباهظة الثمن، من خلال لعبة الردع القائمة على ثغرة في بنية العدو المنبثقة من نظرية الحرب اللامتماثلة.

وبذلك، تصبح الصواريخ الدقيقة مخيفة، لأنه أصبح من الممكن استهداف منشآت حيوية عن سابق تصميم.

وتصبح صواريخ ضد الدروع قاهرة لقوة المدرعات، وكلما قام العدو بتطوير المدرعات بتكاليف عالية، تمكن المقاومون من تطوير الصواريخ بتكاليف منخفضة، قياساً بتكلفة تطوير المدرعات.

وبدل أن تبحث المقاومة فقط عن سبل لحماية منشآتها، وناسها ومقاتليها، أصبح العدو مضطراً إلى القيام بالأمر ذاته، ما سهل على المقاومة رسم الأسقف في معادلات الصراع والحصول على المكتسبات، من دون إطلاق الرصاص.

وفي هذا السياق، يمكن تعريف السبب الذي جعل المقاومة ترسل الطائرة “حسان”، لتحلق في سماء فلسطين المحتلة. طائرة قد لا يكلف صناعتها بضعة آلاف من الدولارات، تستنفر منظومات رادارية وحرارية وقبة حديدية للعدو، يكلف مجرد استنفارها أكلافاً تفوق صناعة الطائرة بعشرات المرات.

لكنها، وهي تحلق فوق سماء فلسطين، كانت ترسل رسائل أمنية واقتصادية، ومن خلفهما سياسية، إلى كل من يريد تغيير التوازنات القائمة في المنطقة، أن عليه التفكير ملياً قبل خوض أي مغامرة غير مدروسة، قد تسبب بموجة “حسان” عالية، تكون من نتائجها إعادة تغيير خريطة المعادلات في المنطقة بغير اتجاه.