لا إستراحة محارب في الحرب.. ونتنياهو يستدرج “حزب الله”!

مقدمات نشرات الأخبار المسائية للأحد 22 أيلول 2024

يمكن إعتبار أن هذا الأسبوع هو الأعنف عسكريًا وإستخباريًا منذ بدء حرب طوفان الأقصى وحربِ الإشغال والمساندة، التي تقترب من مرور سنة على إندلاعها، بعد أسبوعين. فالتطورات التي شهدها هذا الاسبوع غيرُ مسبوقة على مدى سنة:

تفجير “البيجرز” يوم الثلاثاء، والأجهزةِ اللاسلكية الأربعاء، غيرُ مسبوقين
إغتيال هذا العدد من قياديي حزب الله، على رأسهم إبراهيم عقيل، بتفجير مبنى سقط على مَن فيه، غير مسبوق.

أرفِقَت الضربات الإسرائيلية التي بلغت ما يقارب الـ290 هدفًا، بتهديد من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، خاطب فيه الاسرائيليين قائلًا: “إذا لم يفهم حزب الله الرسالة، فأنا أعدكم أنه سيفهمها”.

في المقابل، جاء رد حزب الله اليوم غير مسبوق، فقصف قاعدة ومطار رامات دافيد بعشراتٍ من الصواريخ من نوع فادي 1 من عيار 220 ملم وفادي ٢ من عيار 300 ملم، كذلك قصف مُجمعات الصناعات العسكرية لشركة “رفائيل” المتخصصة بالوسائل والتجهيزات الإلكترونية، والواقعة في منطقة زوفولون شمالي مدينة حيفا، وهي المرة الأولى التي يصل فيها القصف إلى حيفا، التي تبعد عن حدود جنوبي لبنان ما يقارب الخمسين كيلومترًا، وبلغ عدد ما أطلقه من صواريخ من مختلف العيارات نحوَ مئة وخمسين صاروخاً، وأرفقت الضربات بسيلٍ من التهديدات أن الحرب مستمرة.

في تشييع القيادي ابراهيم عقيل، كان لافتًا، وللمرة الأولى منذ بدء هذه الحرب، أن نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم هو الذي أمّ الصلاة وألقى موقف الحزب، وحدد له عنواناً هو: “معركة الحساب المفتوح”، وفيه: جبهة الإسناد مستمرة مهما طال الزمن، إلى أن تتوقف الحرب على غزة… لن يعود سكان الشمال… لا نخشى أخطر الاحتمالات… لن نحدد كيفية الرد.
بين تبادل التصعيد وتبادل التهديد ، بين حزب الله وإسرائيل… حربٌ مفتوحة.

كان هذا اليوم قاسياً بالنسبة لكيان الاحتلال الاسرائيلي اذ تلقّى دفعة على الحساب من قصاص المقاومة على إمعانه في العدوان على اللبنانيين. ورغم الأحزمة النارية الناجمة عن الغارات الجوية المعادية على مناطق في عمق الجنوب سددت المقاومة عشرات الصواريخ على أهداف عسكرية وأمنية واقتصادية استراتيجية قرب حيفا قطع بعضها مسافة تصل الى ستة واربعين كيلو متراً من الحدود اللبنانية. ومن بين هذه الأهداف مواقع تُقصف للمرة الأولى منذ بدء طوفان الأقصى قبل أقل من عام بقليل.

وللمرة الأولى استُخدمت صواريخ ثقيلة في رشقة وصلت الى ما بعد حيفا ما رأى فيه مراقبون رسالة واضحة من المقاومة على ان بنيتها العسكرية قوية وصلبة ولا فراغ في أيّ من مواقعهارغم قساوة الاعتداءات الاسرائيلية الأخيرة. وقد توقفت دوائر عسكرية وامنية واعلامية اسرائيلية عند ما وصفته بالعمق غير المعتاد الذي بلغته الصواريخ قائلة إن المقاومة استهدفت مواقع عسكرية وليست مدنية وإنها لا تريد كسر القواعد.

ورغم طوق التكتم الذي تفرضه سلطات الاحتلال على ما حصدته الضربات أظهرت المعلومات والمشاهد التي نشرتها وسائل الاعلام العبرية الكثير من الأضرار والإصابات وانقطاع التيار الكهربائي في بعض المناطق كما تسببت هذه الضربات بإقفال المدارس في الشمال الفلسطيني المحتل.

وكان العدو قد أعلن حالة طوارئ من حيفا حتى الحدود اللبنانية وأدرج التدابير المتخذة في اطار مخططات الذهاب نحو توسيع قواعد الحرب. وتحت سقف هذه المخططات اطلق بنيامين نتنياهو صلية جديدة من التهديدات اذ قال: اذا لم يفهم حزب الله الرسالة التي وجهناها اليه عبر سلسلة ضربات فأنا أعد بأنه سيفهمها. وقد أطلق هذا التهديد فيما أرجأ سفره للمرة الثانية الى نيويورك لحضور أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة.

وفي نيويورك تنخرط الدبلوماسية اللبنانية في تحرك جديد في الجمعية العامة اذ سيتمثل لبنان بوزير خارجيته عبد الله بوحبيب بعد قرار رئيس الحكومة نجيب ميقاتي العدول عن السفر في ضوء التطورات المرتبطة بالعدوان الاسرائيلي.

وفي ما يرتبط بالعدوان على منطقة الجاموس بالضاحية الجنوبية فإن عمليات البحث ورفع الأنقاض تواصلت لليوم الثالث وقد تم انتشال خمسة جثامين أخرى ما رفع حصيلة الشهداء الىواحد وخمسين فيما بات عدد المفقودين عشرة.
هذا وشيعت المقاومة الإسلامية في الضاحية الجنوبية الشهيدين ابراهيم عقيل ومحمود حمد اللذين ارتقيا في هذا العدوان.

اللبنانيون ليسوا خائفين من اسرائيل، ولم يخافوها يوماً، لكنهم قلقون أكثر من أي يوم مضى على المستقبل.
اللبنانيون ليسوا خائفين، بدليل الصمود الأسطوري المتواصل لأهل الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية وسائر المناطق التي تتعرض لاعتداءات يومية، وما المواقف البطولية للمصابين في عيونهم وأطرافهم، التي تضجّ بها وسائل التواصل، إلا نماذج بسيطة عن إرادة شعب عظيم في التحدي والحياة.

أما القلق على المستقبل، فمشروع ومبرر. فالسؤال اليوم لم يعد هل تندلع حرب شاملة، بل إلى متى تستمر الحرب، وهل تحقق أهدافها المعلنة بالنسبة إلى غزة؟ وماذا عن المطالب اللبنانية، المرتبطة بتحرير مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء اللبناني من قرية الغجر، إضافة الى حل مسألة النقاط الحدودية المعروفة، ووقف الانتهاكات البرية والبحرية والجوية للسيادة، وبدء التنقيب عن الغاز، وإطلاق مسار الحل السياسي، علماً ان النقطة الاخيرة يبحث فيها خلال اليومين المقبلين في بيروت موفد الرئيس الفرنسي جان ايف لودريان.

لبنان في حزن شديد لما أوقعت إسرائيل من ضحايا لبنانيّة مدنيّة وحزبيّة وقياديّة في صفوف حزب الله في ضربات غير مسبوقة خالية من الإنسانيّة، ومتعدّية كلّ حدود المشاعر البشريّة. هكذا اختصر البطريرك الماروني المشهد اللبناني اليوم، موجهاً النداء إلى مجلس الأمن لوضع حدّ لهذه الحرب بالسبل المتاحة.

غير ان نداء الراعي قابله تحذير من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من مخاطر تحويل لبنان إلى غزة أخرى، جازماً أن لا إسرائيل ولا حركة حماس تريدان وقفا لإطلاق النار.

وفي غضون ذلك، كان حزب الله الذي رد ليلاً في العمق الاسرائيلي على اعتداءات الاسبوع الماضي، يؤكد على لسان نائب الامين العام الشيخ نعيم قاسم خلال تشييع قائد قوة الرضوان الدخول في مرحلة جديدة عنوانها معركة الحساب المفتوح، التي تتابع فيها المقاومة جبهة الاسناد والمواجهة، ومن خارج الصندوق بين الحين والآخر، نقتلهم ونقاتلهم من حيث يحتسبون او لا يحتسبون.

وفي المقابل، قال نتانياهو في بيان: وجهنا في الأيام الأخيرة سلسلة من الضربات لحزب الله لم يكن يتوقعها أبدا، واذا لم يكن قد فهم الرسالة، فأنا أؤكد لكم أنه سيفهمها بعد هذه الضربات.

لا استراحةَ محاربٍ في الحرب المتدحرجة بين إسرائيل وحزب الله. فتبادل النار عبر الحدود ليلَ نهار، اتخذ منحًى غير مسبوق.

عملياً، نيةُ نتنياهو واضحة في استدراج الحزب إلى حربٍ موسعة، ورسالتُه تهديدية، بأن على حزب الله فهمُها في حال لم يفهمها، والانسحاب إلى ما وراء الليطاني، وأنه عازمٌ على إعادة سكان الشمال إلى منازلهم سالمين.

حزب الله في المقابل، بعث رسالتَه الصاروخية إلى محيط مدينة حيفا، ويستمر في المواجهة، متجاهلاً الموقفَ الرسمي الإيراني، إنْ من الرئيس بزيشكيان بقوله إن مصلحة طهران هي التفاوض مع واشنطن لا غير، أو مما نقله المسؤولُ السابق لمصلحة تشخيص النظام محسن رضائي، بأن المرشد علي خامنئي، لا يريد إشعالَ حربٍ مع تل أبيب في الظروف الحالية …
فكيف تستقيم المعادلة وفي أي ظروف ما دامت إيران لا تريد الحرب، فيما حزبُ الله يصر عليها لتحقيق النصر، ويرفع سقفَ التحدي إلى أقصاه بلسان نائب الأمين العام الشيخ نعيم قاسم الذي هدد قائلاً:”مستمرون بالإسناد، والتهديدات لن توقفنَا، ولا نخشى الأخطر ومستعدون لمواجهة كل الاحتمالات العسكرية”.

أكثر من ذلك، قاسم ذهب بتحديه مؤكداً أن سكان المستوطنات لن يعودوا بل سيزدادُ النزوح ويتوسع الإسناد … وفي هذه الحال، أيُّ نصرٍ يرمي به حزبُ الله اللبنانيين في أَتونِ الحرب وهو وحيد؟! ألا تعني المواقف الإيرانية أننا متروكون لشراسة نتنياهو ومزاجيتِه؟ وكيف لمحور الممانعة أن يربح هذه المواجهة، وقيادتُه في مفاوضاتٍ علنيةٍ وسرية، مع ممن يصفونَه بالشيطان الأكبر؟ ومن شياطين الرسائل الميدانية المتبادلة من حيفا إلى الجنوب نبدأ، فساعاتٌ طويلة من سخونةٍ غير مسبوقة في الميدانيْن البري والجوي.