أنفاق “حماس” تظهر أن الحروب المستقبلية ستُخاض تحت الأرض

| جيمس ستافريديس | (*)

أصدرت القوات الإسرائيلية كتيبًا إرشاديًا تم الاستيلاء عليه من “حماس” في عام 2019 يوضح بالتفصيل كيف سعت المجموعة إلى تعظيم قوة القتل للقدرات التي بنتها بشق الأنفس تحت الأرض وبعيدًا عن الأنظار. دربت المجموعة قوات على القتال في البيئة تحت الأرض باستخدام غطاء الظلام ونظارات الرؤية الليلية والتوقيت في جزء من الثانية وأجهزة تعقب GPS والتمويه المعقد والأبواب الواقية من الانفجارات. تمكنت قوات “حماس” من إنشاء ساحة معركة مختلفة تمامًا عن القتال التقليدي فوق الأرض.

أصدرت قوات الدفاع الإسرائيلية الآن كتيبًا إرشاديًا تم الاستيلاء عليه من “حماس” في عام 2019 يوضح بالتفصيل كيف سعت المجموعة إلى تعظيم قوة القتل للقدرات التي بنتها بشق الأنفس تحت الأرض وبعيدًا عن الأنظار. دربت المجموعة قوات على القتال في البيئة تحت الأرض باستخدام غطاء الظلام ونظارات الرؤية الليلية والتوقيت في جزء من الثانية وأجهزة تعقب GPS والتمويه المعقد والأبواب الواقية من الانفجارات. تمكنت قوات “حماس” من إنشاء ساحة معركة مختلفة تمامًا عن القتال التقليدي فوق الأرض.

من السهل أن نصدق أن “حماس” فعلت ذلك في اندفاعة من الإبداع الفريد، وأننا نشهد ظهور أسلوب جديد من الحرب. والحقيقة أن استخدام الأنفاق في الحرب له تاريخ طويل.

والسؤال اليوم هو كيف يمكن لظهور التقنيات المتطورة أن يعزز هذا النمط القديم من القتال، ويضع المخططين العسكريين أمام تحديات جديدة في مختلف أنحاء العالم. وأين توجد مجمعات الأنفاق القاتلة الأخرى؟ وما الذي ينبغي للولايات المتحدة وحلفائها أن يفعلوه للاستعداد؟

لقد قام خبراء المتفجرات ببناء مجمعات أنفاق على مر القرون، منذ عهد الجيوش اليونانية والرومانية القديمة. ومن عجيب المفارقات أن الحفريات الأخيرة كشفت أن المتمردين اليهود في يهودا استخدموا مئات الأميال من الأنفاق التي تربط بين القرى في ثورتهم ضد الرومان قبل ألفي عام. كما استخدم الصينيون القدماء والأتراك العثمانيون مجمعات الأنفاق، وخاصة في تقويض المدن المحاصرة.

لعبت الأنفاق دورًا مهمًا في الحربين العالميتين الأولى والثانية. ففي الحرب العالمية الأولى، على سبيل المثال، زرعت قوات الحلفاء ألغامًا متفجرة قوية تحت الخطوط الألمانية . وفي الحرب العالمية الثانية، بنى الجيش الإمبراطوري الياباني مجمعات أنفاق كثيفة على العديد من الجزر التي سعى إلى الاحتفاظ بها ضد القوات الأميركية الغازية. ووجد اليابانيون أنهم يستطيعون مضاعفة مستوى خسائر العدو من خلال الدفاع من داخل الأنفاق بدلاً من محاولة وقف الهجمات على الشواطئ. وفي “إيو جيما”، أسفر استخدام مجمعات الأنفاق عن إصابة 27000 أميركي، بما في ذلك ما يقرب من 7000 قتيل.

إن أكثر أنظمة الأنفاق تطوراً اليوم المخصصة للحرب ربما توجد في كوريا الشمالية. وهي مدفونة على عمق كبير، وربما لا تخترقها حتى أضخم الضربات التقليدية بالقنابل أو الصواريخ. وتجري القوات الأميركية والكورية الجنوبية تدريبات مكثفة مصممة لدخول مثل هذه المجمعات وتدميرها في نهاية المطاف. أما الأنفاق في كوريا الشمالية فهي أكبر حجماً وأكثر دفاعاً وتزخر بأسلحة أكثر تقدماً من تلك الموجودة في غزة.

لدى حلفاء الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي مجمعات أنفاق خاصة بهم. مجمع “شايان ماونتن” في كولورادو، الذي تديره قوة الفضاء الأميركية، هو مخبأ دفاعي ضخم محصن ضد الضربات النووية في قلب قيادة الدفاع الجوي الفضائي لأميركا الشمالية . عندما كنت القائد الأعلى لقوات حلف شمال الأطلسي، كان لدينا نسخة أصغر من “شايان ماونتن” بالقرب من مقري في مونس، بلجيكا.

وتختلف هذه المرافق اختلافاً جوهرياً عن مجمعات الأنفاق التي أقامتها “حماس” وكوريا الشمالية وإيران وفي تورا بورا في أفغانستان، والتي كانت ذات يوم مخبأ لتنظيم “القاعدة” وتخضع الآن لسيطرة “طالبان” .وتزعم روسيا أنها استخدمت أنظمة الأنفاق للوصول إلى ما وراء الخطوط الأوكرانية لشن هجمات مفاجئة. أما المجمعات التي تديرها دول مارقة وجماعات إرهابية، فهي موجودة لضمان عدم تعرضها للاستخبارات الغربية والضربات العسكرية التقليدية.

إذن، ما هي الدروس التي يمكن لمخططي الحرب أن يتعلموها من معركة الجيش الإسرائيلي من أجل السيطرة على متاهة “حماس” تحت الأرض؟

أولاً، يتعين على أنظمة الاستخبارات التقليدية أن تركز بشكل أكبر على أنظمة الأنفاق في إيران (التي تخفي برنامجها النووي)، وكوريا الشمالية (التي لا تخفي الأسلحة النووية فحسب، بل وتخفي أيضاً منصات إطلاقها)، والجماعات “الإرهابية”. ويتعين على الوسائل التقنية ــ مراقبة الهواتف المحمولة، والمراقبة السيبرانية ــ والاستخبارات البشرية (العملاء المدمجون)، أن تلقي المزيد من الضوء على ما يحدث في الظلام.

إن القوات الأميركية وقوات التحالف سوف تحتاج إلى إعداد أفضل للعمليات القتالية تحت الأرض: التدريب على تدمير شبكات الأنفاق ذات الحجم الكبير؛ والتكامل الهندسي مع وحدات القتال بحيث لا يشمل فقط الوسائل المتفجرة، بل وأيضاً، على سبيل المثال، إغراق الأنفاق بالمياه؛ والتدريب على استخدام أجهزة الرؤية الليلية في أماكن ضيقة للغاية؛ واستخدام القوات الخاصة كقوات صدمة تحت الأرض (على غرار “فئران الأنفاق” في فيتنام)؛ والاستعداد النفسي للحرب تحت الأرض بشكل مختلف تماماً عن العمليات فوق الأرض.

إن الدرس الرئيسي الآخر الذي تعلمناه من غزة هو أننا بحاجة إلى تطبيق تقنيات جديدة. وتشمل هذه التقنيات أنظمة الاستخبارات القادرة على اكتشاف وقياس مجمعات الأنفاق من الفضاء أو باستخدام طائرات بدون طيار طويلة المدى. (ومن المحتمل أن يشمل هذا تقنية التصوير الطيفي الفائق ــ التصوير عالي الدقة القائم على المعلومات عبر الطيف الكهرومغناطيسي ــ لرؤية حركة الأرض مع توسع الأنفاق). ومن الضروري أيضاً وجود قدرات فوق الأرض غير مأهولة ــ الكشف الصوتي والأشعة تحت الحمراء والضوء ــ والتي يمكن أن تعمل قبل القوات البشرية للحد من الخسائر. وسيكون من المفيد إيجاد طرق جديدة لجعل الحياة تحت الأرض غير مستساغة: مثل الحد من الهواء والماء على سبيل المثال، أو من خلال خلق أبخرة غير سارة.

من الواضح أن وجود العشرات من الرهائن الإسرائيليين في غزة يجعل استخدام مثل هذه الوسائل أكثر صعوبة. لذا، فمن المؤكد أن الخصوم الآخرين سوف يحذون حذو “حماس” ويبدأون الصراعات من خلال اختطاف عدد كبير من المدنيين أو العسكريين. ومن الأهمية بمكان أن نبذل قصارى جهدنا للاستعداد لعمليات “القتل والخطف”.

إن حرب الأنفاق مرعبة، ومن المؤسف أن الاستعداد لمزيد منها سوف يشكل عنصراً حاسماً في ساحة المعركة في القرن الحادي والعشرين. لقد أصبحت الغواصات لأول مرة مفترسات رفيعة المستوى في الحرب العالمية الأولى بسبب قدرتها على الغوص تحت الأمواج والصعود إلى السطح لجمع المعلومات الاستخباراتية وقتل الأعداء. وسوف يفكر “الإرهابيون” والدول المارقة بشكل متزايد في كيفية القيام بنفس الشيء من تحت سطح الأرض.

(*) جيمس ستافريديس كاتب رأي في “بلومبرغ”، وأدميرال متقاعد في البحرية الأميركية، والقائد الأعلى السابق لقوات حلف شمال الأطلسي “الناتو”، وعميد فخري لكلية “فليتشر” للقانون والدبلوماسية في جامعة “تافتس”.