| ندى أيوب |
شكّلت الاستراتيجية الوطنية للتحوّل الرقمي (2020 – 2023)، الإطار الاستراتيجي العام لانتقال مؤسسات الدولة اللبنانية نحو العالم الرقمي، بالتخلي عن الأرشفة الورقية وإنجاز المعاملات إلكترونياً بدل الحضور إلى الدوائر وأرشفة البيانات والمعلومات سحابياً على (CLoud) وإنشاء مركز بيانات (Data center). لكن إقرار الاستراتيجية من دون تضمينها خطة تنفيذية (عن عمد) للانتقال الى الرقمنة، مع الالتزام بالخطوط الحمر مثل حماية «داتا» اللبنانيين، شكّل ذريعةً لمكتب وزيرة الدولة لشؤون التنمية الإدارية نجلا رياشي للاستعانة بالبنك الدولي وبشركة دولية لإعداد مثل هذه الخطة، رغم أن الانتقال إلى العالم الرقمي ينبغي أن يكون تحت سيادة الدولة اللبنانية، وعدم خرق السيادة الرقمية، عبر تمكين أي دولة أو جهة من الوصول الى البيانات الرسمية والخاصة باللبنانيين، في عالمٍ باتت فيه الحروب تعتمد أساساً على التكنولوجيا كما يتبدّى من تسخير العدوّ الإسرائيلي كل إمكاناته التكنولوجية لجمع ما أمكن من معلومات تشكل أساس عملياته العسكرية.وفيما يفرض هذا الواقع على الدولة حرصاً إضافياً على سيادتها الرقمية، لا يزال ملف التحول الرقمي يسلك مساراً غير مطمئن، يتمثل بتدخل البنك الدولي في طريقة تنفيذ لبنان لهذا التحول، خارقاً في بعض ما يطرحه مبدأ الحفاظ على سيادة لبنان الرقمية.
الوزيرة رياشي، بصفتها مسؤولة حالياً عن ملف التحول الرقمي، نظّمت بالتعاون مع البنك الدولي، أخيراً، ورشتَي عمل في بيروت حول هذا الملف، بحضور ممثلين عن المجتمع المدني من جمعيات وشبكات وخبراء. وتمحورت الجلسات حول الحكومة الإلكترونية والـ«داتا سنتر» أو مركز البيانات، واستضافة البيانات على خوادم داخل لبنان أو خارجه.
وكان لافتاً تشجيع ممثلي البنك الدولي على فكرة «حفظ الداتا على خوادم (servers) خارج لبنان»، باعتبار أنّ «20% فقط من البيانات يُمكن اعتبارها مهمة، و80% منها لا مانع من وضعها في الخارج». وتحصّن هؤلاء، بالقانون الرقم (81)، وهو تشريع قديم لم يتضمن مبدأ «السيادة الرقمية» التي لحظتها الاستراتيجية الوطنية للتحول الرقمي. وبحسب مصادر مواكبة، فإن «دفع البنك الدولي باتجاه عدم احترام الاستراتيجية أمر مريب والتفاف على التصويب الذي أحدثته الاستراتيجية في هذا المجال»، وخصوصاً مع إلحاح ممثليه في ورشة العمل على وزارة التنمية الادارية بالسير في التحوّل الرقمي اعتماداً على المنصات الموجودة في لبنان، و«عدم انتظار صدور التشريعات اللازمة وتطوير القوانين»، ما يعكس رغبة في عدم وجود قوانين جديدة تتعلق بالبيانات وأماكن حفظها. واللافت وفق المصادر أن هذا التوجه «تعارض مع إجماع المشاركين الممثلين للمجتمع المدني المعني في المجال على أولوية خلق إطار تنظيمي وقانوني».
وفي هذا الصدد، استغل ممثلو التفتيش المركزي الذين حضروا ورشة العمل الفرصة للتسويق لمنصّة «إمباكت» التي تبيّنت لاحقاً ثغراتها على صعيد أمن البيانات. كذلك سوّقت شركة «إنتاليو» لمنصّتها «دولتي 1»، التي يستخدمها جهاز الأمن العام. وأكّد حاضرون أن «البنك الدولي» دعم «هذا النوع»، ما يشير الى استعجاله السير بالملف كيفما كان، ولو كانت المنصات المُقترحة فاشِلة بالتجربة، بدلاً من التخطيط لمنصّة توفّر الأمن والحماية.
وعمل ممثلو البنك الدولي على استطلاع الحاضرين في ورشة العمل عن الجهة التي يعتبرونها الأفضل للتنسيق بين الإدارات والمؤسسات والقطاعات لتعريف البيانات وتحديد أهميتها انطلاقاً من المعلومات التي تتضمنها. وكان هناك شبه إجماع على أنّ الجهة المثلى هي «وزارة سيادية لها هيكلية ودوائر، تعنى كل منها بمهام معينة. وبما أن وزارة التنمية الإدارية بشكلها الحالي هي مجرد مكتب وزيرة، اقترحوا إيكال المهام إلى لجنة مؤقتة من القطاعين العام والخاص، ريثما يتم تصويب الوضع القانوني والدستوري للتنمية الإدارية أو خلق وزارة أخرى». وهذا الخيار يؤيده كذلك خبراء في المجال، لكونه «يُسند عملية التنفيذ الى جهة وطنية متمثلة بوزارة سيادية كاملة الصلاحيات، لا بجهات خارجية، نظراً إلى حساسية الملف أمنياً».
كذلك، استطُلِع الحاضرون عن الجهة المسؤولة تشغيل مركز البيانات أو Data Center، وطُلِبَ منهم الاختيار بين: هيئة «أوجيرو» أو شركتي «ألفا» و«تاتش» أو أن يدير كل قطاع وكل وزارة بياناته. واللافت هنا أنّ البنك الدولي تقصّد تغييب احتمال أن تدير مركز البيانات الوزارة المُفترض إنشاؤها. كذلك، سُئل الحاضرون حول من يجب أن يُدير البيانات المصنّفة خطيرة لاحتوائها على معلومات حساسة، والبيانات العادية الأقل خطورة. وتنوّعت الإجابات: بين شراكة عامة – خاصة ومقدمي خدمات سحابية وطنية. واستبعد المشاركون فكرة المشغّل الخارجي الذي أدرجه البنك الدولي ضمن الخيارات. ويمكن الاستنتاج من جولات الاستطلاع تلك، وتلغيم الخيارات المعروضة على المشاركين أنّ البنك الدولي يحاول بطريقة ملتوية تمرير أفكار مثل تشغيل الـ«داتا سنتر» من الخارج، ما يسمح لجهات خاصة خارجية بخرق خصوصية بيانات وطنية هائلة الحجم.
وعلى هامش ما يدور تحت الطاولة وفوقها، بين «التنمية الإدارية» بتأييد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، ولجهات المانحة كالبنك الدولي وسواه، يشدّد مختصون في المجال على الحاجة إلى سنّ قوانين تصنّف البيانات بين عامة ورسمية وخاصة الخ…، وتحدد كيفية حفظها وحمايتها.