/ خلود شحادة /
ثلاثة وعشرون يوماً عاشتها بلدة أنصار بترقب، تنتظر بفارغ الصبر معرفة مصير الأم وبناتها الثلاث اللواتي فقد أثرهن يوم الثاني من آذار الجاري. كل ذلك، في ظل غياب الخبر عن وسائل الاعلام.
يوم الخميس في الرابع والعشرين من آذار، ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي بخبر اختفائهن، بعد انتشار خبر يفيد بأنهن قد قتلن!
تفاصيل الجريمة، التي كشفتها الجهات الأمنية والقضائية، أصبحت معروفة لدى الرأي العام اللبناني، الذي سارع الى إدانة هذه الجريمة البشعة بكل العبارات.
المتهم الأول اليوم بجريمة القتل، خطيب إحدى الفتيات، والذي اعترف ـ بحسب المصادر الأمنية ـ باقترافه هذه الجريمة البشعة بكامل قواه العقلية، وهو الذي أرشد القوى الأمنية والجهات المعنية إلى مكان الجثث في أحد البساتين التي تقع بين بلدتي أنصار والزرارية.
هي جريمة تخطت كل مقاييس الوحشية وانعدام الانسانية، كيف قتل امرأة وثلاث فتيات، بينهن قاصر لم تتخطّ السادسة عشر من عمرها، بكل دم بارد؟!
للوهلة الأولى يتهيّأ لنا أنها واحدة من قصص الخيال، أو ربما مشهداً تمثيلياً سينتهي بعد قليل… فكيف للعقل البشري أن يصدّق، استسهال القتل العمد هكذا؟
يذهب البعض الى الدوافع السيكولوجية لهذه “المجزرة”، والبعض الآخر إلى نسج سيناريو وإخراجه لتفسير ما حدث… لكن كل ذلك لا يمكن أن يغير واقعاً من شقّين وهما:
– ما حصل جريمة حقيقية ليس مقبولاً أي تبرير لها، لا نفسي ولا اجتماعي.
– ملابسات الجريمة ما زالت غامضة، وبالتالي من الممكن أن يكون للقاتل شركاء وليست جريمة فردية.
وعلى بعد أيام من جريمة بشعة ذهب ضحيتها شاب ثلاثيني من بلدة رشاف الجنوبية، قتلاً بالرصاص، بسبب خلاف على “صفّة سيارة”، في محلة طريق المطار، والقاتل ما زال فاراً من العدالة، استفاق الشعب اللبناني اليوم على جريمة أخرى.. لكن الصرخة التي أجمع عليها الناس: نفّذوا أحكام الاعدام بحق القتلة!
كما نظم رواد مواقع التواصل الاجتماعي حملة تحت هاشتاغ #جريمة_أنصار و #الاعدام_لمرتكب_جريمة_أنصار.
غياب العدالة، وتغييب العقاب الجدّي، دفع البعض الى استسهال القتل والسرقة والاغتصاب، لعلمهم أنهم في بلد يستطيع أن يخرج المجرم من السجن بشهادة “حسن سلوك”، أو بهمّة الوساطات السياسية، أو بتحويل القضية الى جريمة “شرف” عندما تكون الضحية من النساء.
يظن البعض أن قانون الاعدام قد حُذف من الدستور اللبناني، إلا أن الصحيح، أن قانون الاعدام ما زال موجوداً. ما جرى في لبنان هو الإبقاء على النصوص القانونية التي تعاقب بالإعدام على بعض الجرائم البشعة، وعدم تنفيذ هذه العقوبة إلا في حالات محدودة.
ومنذ العام 2004 لم يتم تنفيذ أي حكم إعدام بحق مجرم تثبت عليه التُّهم.
بل الأغرب من ذلك، أن العديد من جرائم القتل، والتي تندرج في قائمة الجرائم البشعة، لم يتم الحكم فيها بالحكم المخفف عن الاعدام، أي السجن المؤبد مع الأشغال الشاقة، بل اقتصرت على سنوات معدودة من السجن.
شهد لبنان عدة محاولات لإلغاء عقوبة الإعدام، حيث يوجد منذ العام 2004 اقتراح قانون يرمي إلى إلغاء هذه العقوبة وإبدالها بعقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة، ومشروع قانون مماثل من وزير العدل في العام 2008.
وقد صدر قانون تنفيذ العقوبات رقم 463/2002 وجرى تعديله بالقانون رقم 183/2011، وهو بالغ الأهمية كون التعديل منح قاضي تنفيذ العقوبات حق تحويل عقوبة الإعدام إلى السجن، شرط ارتباطها بحسن السلوك والتعويضات الشخصية وإعلام أهل الضحية.
وتوصي الخطة الوطنية لحقوق الانسان التي ناقشها البرلمان اللبناني في كانون الأول من العام 2012، الحكومة اللبنانية، باعتماد قرار الجمعية ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ للأمم المتحدة الرقم ١٤٩/٦٢ ﺑﺸﺄﻥ ﻭقف ﺗﻨﻔيذ ﻋقوبة ﺍلإعدام، ﻭالتصديق ﻋﻠﻰ البروتوكول ﺍلاختياري الثاني للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية ﻭﺍلسياسية.
كما توصي الخطة بضرورة تحديث السجون وتطويرها لتصبح صالحة كمراكز لإعادة التأهيل، لأن مشروع إلغاء عقوبة الإعدام يحتاج بالمقابل إلى تجهيز أماكن إقامة المحكوم عليهم، بحيث تكفل حسن تطبيق المنهج المتبع لإعادة التأهيل.
ويبقى السؤال الفيصل اليوم: هل سينال مرتكب جريمة “أنصار” عقابه على سلب حياة أربعة أشخاص؟ أم علينا التسليم اليوم بأننا بتنا نعيش تحت سلطة “شريعة الغاب”؟!