| جورج علم |
الرصاصة التي لامست أذن دونالد ترمب، دفشته بقوة نحو البيت الأبيض، وأصابت في الطريق أكثر من هدف. أول الضحايا الرئيس جو بايدن، والحزب الديمقراطي، الذي يجمع شتاته للحدّ من الخسائر، والإنطلاق نحو المواجهة بمرشح آخر إعتباراً من 19 آب المقبل، موعد إنعقاد المؤتمر العام للحزب. ويدور شبح الضحيّة الثانية حول أوكرانيا إذا ما وصل ترمب. هنا يصبح السؤال أكثر إلحاحاً حول مستقبل العلاقات الأميركيّة ـ الروسيّة؟ وهل ستتجاوز ضفتي النهر الأوكراني للوصول إلى إستراحة وقف سباق التسلّح؟ وهل سيطول سهر الرئيس الصيني شي جين بينغ على ضوء مشاعل التدخل الغربي في الخليج التايواني، أم سيقفز إلى المجنزرة المصفّحة في الوقت المناسب دفاعاً عن خريطة “الحزام والطريق”؟ وهل سيصار إلى تمزيق ما تبقى من الإتفاق النووي الإيراني، أم سيتأمن النصاب المطلوب حول الطاولة، لمعالجة الملفات الشائكة؟
وصل الدخان المتصاعد من ميناء الحديدة إلى واشنطن قبل أن يبلغها بنيامين نتنياهو. وأصاب الصاروخ الحوثي قلب تل ابيب، وأوقع إصابات، ولكنه “برّر” تفجير منشآت النفط في الخليج العدني، وخرجت حسابات الفعل، ورد الفعل، إلى معادلة جديدة تأخذ بعين الإعتبار مواصفات اليوم التالي للعلاقات الأميركيّة ـ الإيرانيّة. كان الفاصل ما بين الرصاصة والصاروخ فسحة طفحت بفائض من الإتهامات التي لفّقها بعض الإعلام الأميركي، حول إيران، ومسؤوليتها عن محاولة الإغتيال، ثأراً لقاسم سليماني.
تنصّلت طهران، وقبل أن تتبدّد “الإتهامات”، سقط “الصاروخ الحوثي” في قلب تل أبيب، ووصفته بعض دوائر “البنتاغون” بـ”الرسالة الصاروخيّة” الموجّهة إلى البيت الأبيض، قبل أن يجتاز نتنياهو بوّابته، ووقبل ان تطأ قدما ترمب عتباته إعتباراً من تشرين الثاني المقبل.
ووفق بعض الإعلام الأميركي، تريد إيران وظيفة للرئيس الإصلاحي الذي انتخبته. وتريد تنشيط الحوار وتفعيله للوصول إلى تفاهمات حول حاضر العلاقات، ومستقبلها، وحول مواصفات اليوم التالي على طول الجبهات المفتوحة، إنطلاقاً من غزّة، وصولاً إلى باب المندب، والبحر الأحمر. كما تريد “فكّ الأصفاد” عن البرنامج النووي، والنفط الإيراني، والأموال المحتجزة، قبل موعد الخامس من تشرين.
وكما لامست “الرصاصة الأميركيّة” أذن ترمب، هكذا لامس “الصاروخ الحوثي” أذن العلاقات الأميركيّة ـ الإسرائيليّة، بعدما اعتقل نتنياهو خطة بايدن حول غزّة، ووضعها رهن الإقامة الجبريّة، منتظراً أسباباً تخفيفيّة للإفراج عنها.
ذهب إلى واشنطن حاملاً بندقيّة القنّاص المحترف، وفي فوهتها طلقات ثلاث: لا للدولة الفلسطينيّة، وقد صوّت الكنيست على القرار بما يشبه الإجماع. ولا سلطة للفلسطينيّين على معبر رفح. ولا دور أو مكان للسلطة في مستقبل القطاع.
وعندما يحين أوان “تلقيم المفاوضات”، سيضع رصاصات ثلاث إضافيّة في “بيت النار”: لا لجبهات المساندة. لا للقنبلة النوويّة الإيرانيّة. ولا للنفوذ الميليشاوي على الممرّات المائيّة الإستراتيجيّة.
وتعتبر “الواشنطن بوست” بأن رصاصة القنّاص الأميركي، والصاروخ الحوثي، إنطلاقاً من بيئة الإستعصاء في إيجاد توافق فعّال حول مواصفات اليوم التالي إنطلاقاً من غزة، إلى سائر جبهات المساندة. ولو توصّلت المفاوضات الشاقة، والمكثّفة ـ وفق قراءتها ـ إلى تفاهمات حول خريطة طريق واضحة المعالم، لما بلغت الأمور الشهر العاشر من “الطوفانات الأعنف في التاريخ” من دون بلوغ حدّ النهاية.
ويدخل نتنياهو إلى كواليس واشنطن، هذه المرّة، من باب المقايضة. “نأخذ، فنعطي”، و”ما نريده، مقابل ما تريدونه”. ويعرف أن بايدن يعدّ ما تبقّى له من مساحة زمن بلقب “فخامة الرئيس”. ويعرف أن إدارته مصممّة على تحقيق إنجازات “تقرّشها” في “بورصة” الإنتخابات. ويعرف أن توريطها في حرب إقليميّة واسعة النطاق، أصبح من سابع المستحيلات، إلاّ إذا كانت النتائج والأهداف مضمونة.
وفي ذروة هذا الإحتقان السياسي ـ الأمني، يسعى إلى تحقيق الحد الأدنى، أوله: التيقن أن لا سياسة منحازة ضده، ولا عصف ريح أميركيّة تؤجج نيران الإنتخابات المبكّرة في “إسرائيل”، بل هدوء، وتهدئة، وفرص أكبر للجهود الدبلوماسيّة. وثانيه: الوصول إلى أجوبة مقنعة حول مواصفات اليوم التالي في غزّة. ومن غزّة إلى سائر “جبهات المساندة”.
هل تميل الكفّة نحو التصعيد؟
المؤشرات التي ظهرت على السطح قبل أن تقلع طائرته إلى الولايات المتحدة، تنبىء بذلك. ما يجري على ضفتي الجنوب، مقلق، سواء باستخدام نوعيات جديدة من السلاح، أو من توسيع رقعة “الأرض المحروقة”، تحت وابل من رشقات التهديد والوعيد.
ما يجري بين الحديدة، وتل أبيب، لم يعد ممنوعاً من الصرف. العمليات العسكريّة تتكثّف، وتتصاعد وتيرتها كمّاً، ونوعاً، ما ينبىء بتخطّي خطوط حمراء، كانت حتى الأمس القريب من الممنوعات والمحظورات.
ما يجري في سوريا يسترعي الإنتباه في ظلّ الرسائل المتبادلة بين أنقرة ودمشق عبر “ساعي البريد” الروسي، الأمر الذي يربك الولايات المتحدة، و”قوات التحالف الدولي” المنتشرة في بعض المناطق السوريّة الحساسة، ويثير حفيظة بعض دول الخليج!
أما المؤشرات الوافدة من وراء الكواليس المغلقة، تؤكد بأن لا حرب واسعة، بل زخات من التهويل لتحسين دفتر الشروط. وأن الإدارة الديمقراطيّة لا تريد التورط بحروب على أبواب الإنتخابات، أيّا تكن الدوافع.
وما بين الرصاصة والصاروخ، طافت علامات إستفهام كبيرة حول مصير ومستقبل محور الممانعة… وتبقى إيران من المنظار الإسرائيلي ـ الأميركي، الهدف، والعنوان: تسوية… أو تصعيد يؤدي إلى تسوية؟