لاحركة.. ولا بركة!

| غاصب المختار |

لم تسفر حركة بعض الكتل النيابية والموفدين الدوليين عن بركة، لا في الملف الرئاسي ولا في موضوع وقف المواجهات العسكرية القائمة في جبهة الجنوب، والأسباب باتت معروفة بمعظمها، ما خلا بعض التفاصيل المهمة وغير المعلنة على ألسِنة اصحاب القرار والحل والربط، لكنها تدور في كواليس سوداء مغلقة بالكامل.

والمرتقب، خلال المرحلة المقبلة، أن لا حركة جديدة على صعيد الاستحقاق الرئاسي يمكن أن تسفر عن بركة على مائدة الرئاسة. وما تمت المراهنة عليه منذ أسابيع، من تحرك جديد للجنة الخماسية ولـ”تكتل الاعتدال الوطني”، لن يحصل في المدى المنظور. وما قاله عضو “التكتل” النائب وليد البعريني منذ أيام، بأنه لا انتخاب لرئيس الجمهورية قبل نهاية ولاية المجلس النيابي الحالي عام 2026، دليل على حالة الاستعصاء القائمة، والتي فسّر عضو آخر في “التكتل” سببها بقوله لموقع “الجريدة”: “إن بعض رؤساء الكتل النيابية لا يريد انتخاب رئيس للجمهورية. وهناك من ينتظر كلمة السر من جهات خارجية”.

أما الخارج فهو ينتظر، أو يراهن على التوافق في الداخل اللبناني، وهو يدرك تماما أنه مستحيل، ويوحي أنه يعمل لإنقاذ لبنان، بينما لديه أجندات أخرى تتعلق بوضع المنطقة كلها، وما ستسفر عنه حرب غزة وحرب لبنان من تسويات، أو صفقات، أو مشاريع قد تكون أسوأ من مشروع أميركا و”إسرائيل” لـ”الفوضى الخلّاقة” في الشرق الأوسط، الذي ابتدعته عقول مجرمة بعد الغزو الأميركي للعراق وأفغانستان، وامتد حتى العام 2006، ونام فترة من الوقت قبل أن يصحو ليخلق “الربيع العربي” المدمّر للمنطقة العربية، ويفتح للدول الغربية أبواب محاولات إحكام السيطرة الكلّية على خيرات الشرق الاوسط.

وفي خضم هذا الصراع الكبير المحتدم، والذي تتوالد منه تغييرات دراماتيكية في أنظمة الحكم في أوروبا وبعض دول الإقليم، ستبقى الحركة لتحقيق استقرار عالمي وإقليمي طويل الأمد، بلا بركة، نتيجة تكاثر الحسابات وتعدد الأهداف وتشابك المصالح. وسيبقى لبنان مُعلقاً على حبال الصراعات الداخلية والإقليمية والدولية، حتى يُقدّر الله أمراً كان مفعولا!

لذلك، كل الرهانات على حل أزمة رئاسة الجمهورية ووقف المواجهات في جبهة الجنوب، ستبقى بلا طائل، ما لم يتحقق أمر واحد اساسي وبعض الأمور الفرعية الملحقة: الأمر الأساسي، اقتناع الدول اللاعبة بمصير شعوب المنطقة بأنها استنفذت كل ألاعيبها، وحققت الكثير من أهدافها بتدمير الدول ورميها في الفوضى، لكن من دون أن تجد أي بديل إنساني يحقق لها العدالة والاستقرار والسلام الحقيقي وعلاقات حسن الجوار.

أما الأمور الفرعية الأخرى، فمنها وأهمها معالجة كل مشكلة إقليمية أو دولية في مكانها من دون توسيع نطاقها إلى الجوار. وقد كان بإمكان الدول المعنية وقف حرب غزة من الأسبوع الأول لاندلاعها بالبحث عن حل يحقق أمل الفلسطينيين بإقامة دولتهم المستقلة، وهو أمر لم تفعله الدول لأنها معنية فقط بما يحقق أمن واستقرار ورفاهية الكيان الاسرائيلي على حساب الحقوق العربية.

أما ما يُطرح حول معالجة وضع جبهة الجنوب، فكان يمكن حلّه قبل سنوات عند حصول اتفاق تحديد الحدود البحرية بين لبنان وفلسطين المحتلة، بالانتقال فوراً إلى الحدود البرية وإقفال الملف، بما يعيد حقوق لبنان في أرضه كاملة، وليست منقوصة كما حصل في الاتفاق البحري المنقوص وغير المكتمل. لكن الاتفاق البحري كان لإرضاء “إسرائيل”، وتم بعده ترك لبنان لوعود شركات التنقيب الغربية. وهو ما يُخشى من تكراره في أي اتفاق للحدود البرية.

كذلك كان يمكن حل الأزمة السورية قبل سنوات، بوقف التدخل الدولي السافر في ظروفها الداخلية وتوسيع رقعة الاعتراضات الداخلية إلى حرب دمرت سوريا. وها هي أميركا وتركيا تنهب خيراتها في الشمال والشرق… والأمثلة كثيرة… وكل حركة لا بركة فيها، لا تنتج حلولاً!