“حان وقت التغيير”.. من هو رئيس حكومة بريطانيا الجديد؟

شكّلت انتخابات “مجلس العموم” البريطاني منعطفاً جديداً في تاريخ بريطانيا مع فوز “حزب العمال” وخروج “المحافظين” من السلطة بعد 14 سنة في الحكم.

وقد أثار تعاقب الأزمات منذ سنة 2010 ـ من الانقسامات الناجمة عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي “بريكست” في ديسمبر/كانون الأول 2020، إلى إدارة جائحة كوفيد -19، فضلاً عن الأسعار المرتفعة ومستويات الفقر العالية والنظام الصحي العام المتهالك والتغيير المستمر لرؤساء الحكومة – تطلعاً كبيراً إلى التغيير، ما دفع المحافظين إلى الإقرار بأنهم لا يسعون للفوز وإنما فقط للحد من حدة فوز “العمال”!

ومع فوز “العمال”، يكلف الملك تشارلز الثالث زعيم حزب “العمال” كير ستارمر، تشكيل الحكومة الجديدة بعد أن أعاد حزبه إلى يسار الوسط وتعهد بإعادة “الجدية” إلى السلطة .وهو محام سابق متخصص في مجال حقوق الإنسان ويبلغ من العمر 61 سنة، والذي يعتبر كير ستارمر شخصية غير نمطية فيالسياسة البريطانية.

فبعيداً عن مغامرات بوريس جونسون وليز تروس، واليساري جيريمي كوربين، أو حتى اليميني المتطرف نايجل فرج، يبرز زعيم “حزب العمال” بقدرته على التقدم بخطى أكثر تمهلاً وحذراً.

رغم أنه سيخلف ريشي سوناك في رئاسة الوزراء، إلا أنه غير معروف جيداً لدى عموم البريطانيين، ما يستغله منتقدوه لإظهاره على أنه شخص “متردد” و”مزعج” بعض الشيء. لكن، منذ 2020، أظهر المحامي السابق تصميماً ثابتاً على إعادة ضبط مسار حزبه وإرادة واضحة في تولي منصب رئيس الوزراء.

تولى ستارمر قيادة “العمال” خلفاً للاشتراكي المخضرم جيريمي كوربين، بعد أن تعرض الحزب في 2019 لأسوأ هزيمة له منذ 84 عاماً، فأعاده إلى الوسط. ولم يتوان في تسليط الضوء على أصوله المتواضعة لإظهار مدى اختلافه عن نظرائه في المشهد السياسي.

فوالدته ممرضة مصابة بداء التهاب المفاصل ما يمنعها من التنقل، ووالده صانع أدوات. وهو ما يتناقض مع خصمه المحافظ ريشي سوناك، وهو مليونير وابن مهاجرين من أصل هندي قدموا إلى المملكة المتحدة واتبع مساراً نموذجيا للنخب البريطانية.

في المقابل، نشأ كير ستارمر بمنزل صغير في لندن، ولم يذهب إلى كلية خاصة وكان الأول من بين أربعة أطفال يلتحقون بالجامعة. أصبحت إحدى شقيقاته ممرضة، والأخرى متخصصة في البستنة. فيما كان شقيقه الذي تقاسم معه غرفة المنزل يعاني من صعوبات في التعلم. درس ستارمر القانون في جامعة ليدز قبل أن ينتقل إلى أكسفورد.

يقول المحامي السابق في فيديو نشره في حساب حزبه على فيس بوك: “كان والدي صانع أدوات ووالدتي ممرضة”، وهو يحرص على نشر هذه الرسالة بانتظام في خطاباته. وأطلق عليه والداه اسمه تكريما لمؤسس “حزب العمال” كير هاردي، حيث أن كلاهما أصلا من الناشطين العماليين المتحمسين.

بعد حصوله على شهادة المحاماة، تخصص ستارمر في الدفاع عن حقوق الإنسان، ونشط لعدة سنوات في الدفاع عن النقابات ومكافحة عقوبة الإعدام. ومن ثمة، دافع عن المحكوم عليهم بالإعدام في جزر الكاريبي وكذلك المعركة ضد “ماكدونالدز” في قضية وضعت عملاق الوجبات السريعة الأميركي بمواجهة المدافعين عن البيئة.

كما عمل على اتخاذ إجراءات قانونية ضد انتهاكات حقوق الإنسان خلال الصراع في إيرلندا الشمالية (1968 ـ 1998). وساهم مطلع 2000 في إنشاء قوة شرطة جديدة لحفظ السلام.

في 2008، أحدث المفاجأة حين اتخذ أول منعطف في مساره المهني، حيث أصبح مدع عام لإنكلترا وويلز. وأشرف من خلال هذا المنصب على ملاحقات قضائية طالت نوابا متهمين بالاختلاس وحتى صحافيين متهمين بالتنصت على الهواتف.
ورغم أن معاركه ومواقفه تلك أدت إلى استهدافه بانتظام من قبل اليمين، والذي يتهمه بالدفاع عن “القتلة”، فقد حاز على وسام “الفارس” في 2014 من الملكة إليزابيث الثانية تكريماً لمسيرته القانونية الطويلة.

لتفادي هجمات اليمين وتبديد وقع برنامج سلفه جيريمي كوربن الباهظ التكلفة، تعهد ستارمر بقيادة إدارة صارمة للغاية للإنفاق العام، من دون زيادة الضرائب. وهو يعوّل في هذا الإطار على استعادة الاستقرار والتدخلات من الدولة واستثمارات في البنية التحتية لإنعاش النمو، ما من شأنه تصحيح وضع المرافق العامة التي تراجع أداؤها منذ إجراءات التقشّف في أوائل 2010.

كما يريد أن يظهر حازماً في قضايا الهجرة وأن يقترب من الاتحاد الأوروبي، لكن بدون الانضمام إليه، محذراً في المقابل من أنه لا يملك “عصا سحرية” – الأمر الذي ظهر أيضاً لدى البريطانيين الذين أظهرت استطلاعات الرأي أن لا أوهام لديهم بشأن آفاق التغيير.

وقامت حملته حول وعد من كلمة واحدة هي “التغيير”، مستغلاً الغضب من حالة الخدمات العامة المنهكة وانخفاض مستويات المعيشة. لكن لن يكون في يده إلا القليل من الأدوات التي يمكنه استخدامها، لأنه من المتوقع أن يبلغ العبء الضريبي أعلى مستوى منذ 1949، وأن يعادل صافي الدين تقريباً الناتج الاقتصادي السنوي.

في هذا السياق، حذر ستارمر من أنه لن يستطيع إصلاح أي شيء بسرعة، ويسعى حزبه لخطب ود مستثمرين دوليين للمساعدة في مواجهة التحديات.