عودة “التزلّف” في “المصنع”!

| مرسال الترس |

يبدو أن اللبنانيين، أو الشعوب التي عاشت على هذه الأرض، قد فُطرت على التزلف و”الانبطاح” أمام من يحكمها، لتيسير أمورها، وفق مفهوم “التجارة” في كل شيء!

فقد كشفت موسوعة تاريخية، أعيد إصدارها في السنوات الأخيرة للمؤرخ الزغرتاوي جواد بولس، عن اللغة التي كان يستخدمها حكام المدن والولايات في بلاد “كنعان وسوريا ولبنان”، إزاء الفرعون تحتموس الثالث في مصر الذي كرّس سلطته على تلك البلاد في القرن الخامس عشر قبل الميلاد… ومما جاء في بعض نصوص الرسائل التي عُثر عليها في “تل العمارنة”:

“إلى الملك، سيدي، إلهي وشمسي”، وأيضاً: “أنا خازن مدينة… خادمك وغبار قدميك والأرض التي تدوس عليها، خشبة كرسيك وسلّم رجليك، وحافر خيلك، إني أنقلب على ظهري وبطني سبع مرّات متمرغاً بالغبار عند قدمي الملك، سيدي، شمس السماء… فأنا خادم الملك وكلب بيته، وأنا أحرس كل بلد… من أجل الملك سيدي”.

هذا الأمر ـ وربما هي الصدفة ـ قد تزامن مع حالتين على الساحة اللبنانية، تعكسان تفكير المجموعات التي كانت تعيش على هذه الأرض في القرن الحادي والعشرين بعد الميلاد.

* على الرغم من الحرب العسكرية التي تحكم الوضع في الجنوب اللبناني، مساندة لقطاع، هناك مناطق أخرى في لبنان تعتبر نفسها غير معنية بما يجري في جنوب البلد، وأهلها إلى جانب كونهم غريبين كلياً عن أجواء الحرب والمقاومة. وكثيرون منهم لا يتورعون في التعبير عن آرائهم، بفظاظة ووقاحة، تجعل الآخر على قناعة تامة بأنهم يفضلون أن يربح العدو الاسرائيلي على الشريك في الوطن. مع التذكير بأن هذا العدو كان ينظر بفوقية مطلقة إزاء هذه المجموعات التي تستمد قوتها منه، عندما قُدِّر له أن يحتل العاصمة بيروت في العام 1982 ويساهم في إيصال رئيس للجمهورية.

أما الحالة الثانية، فتجسدت في الإزدحام غير المعقول وغير المسبوق على الحدود اللبنانية ـ السورية، وبشكل خاص عند نقطة المصنع. مع الإشارة إلى أن مجموعات كبيرة من اللبنانيين التي كانت تبني مستقبلها السياسي على العلاقة مع الوجود العسكري السوري في لبنان، ولكنها بعد إندلاع الحرب على سوريا في العام 2011 إنقلبت على نفسها مئة وثمانين درجة. وها هي اليوم، وبعدما لمست ملامح العودة العربية إلى دمشق، فاإنها تمني النفس بالعودة إلى ما مضى من عهود، والتباري في “نظم القصائد” لمدح حكام أرض الشام، أو فتح خطوط إتصال باتجاههم!

إنه الطبع المبني على التزلف، المرتبط بالأنانية المفرطة، والبعيد كل البعد عن المبادئ، والذي لا يمكن أن يبدّل فيه أي مظاهر، من “التطبع” أو “التطبيع”، وما يتصل بهما من تعابير.