الثمن غالٍ.. ولكن!

| رندلى جبور |

ليس خيالاً القول إن جيش العدو الاسرائيلي خسر الكثير من قوّته البشرية والعتاديّة والتكنولوجية، وأيضاً المعنوية، لا بل إن ما يصيبه يضعه لأول مرة منذ نشأة الكيان في خانة العاجز.

ووفق ما أعلن رسمياً وزير الحرب يؤاف غالانت، فإن النقص في عديد الجيش يحتاج إلى عشرة آلاف جندي فوراً لملئه… أتتخيّلون؟!

تلك القوة التي أوهمونا يوماً أنها لا تُقهر، تُطلِق نداءات استغاثة فلا يصغي إليها حتى الداخل.

ثمّة تسمعمئة ضابط تقدّموا بطلبات لإنهاء عقودهم، والكثير من عسكر الاحتياط يرفض الانضمام إلى الجبهات، وعدد من الجنود فضّل إنهاء حياته طوعاً قبل أن يتطوّع لخدمة مؤسسته. والآلاف من مرتدي البزّات قُتلوا، وعشرات الآلاف يتلقّون العلاج النفسي أو يطلبونه.

صحيح أن في المقابل، وعلى جبهة فلسطين والمقاومة، دفع عشرات الآلاف حياتهم ـ أو شيئاً ـ منها في هذه الحرب، إلا أنها المرة الأولى التي تكون فيها عند مقلب العدو هذه الخسائر، ويكون بالتالي دم من رحلوا من الفلسطينيين والمقاومين غير مهدور، أو بلا ثمن وغير ذاهب سدىً.

الثمن غالٍ، ولكن المقاومة تقبضه من جيب الاستراتيجيا ومن مصرف الوجود.

الثمن غالٍ، ولكن المقاومة تقبضه إضعافاً للعدو ووضعاً لوجوده على المحك.

الثمن غالٍ، ولكن المقاومة تقبضه إحياءً للقضية المركزية التي اعتقد البعض أنها منتهية الصلاحية.

الثمن غالٍ، ولكن المقاومة تقبضه زعزعةً لاستقرار الكيان، وصراخاً لمستوطنيه، وتظاهرات لسكانه، وهجرة معاكسة، وخسائر اقتصادية هائلة.

الثمن غالٍ، ولكن المقاومة تقبضه تضعضعاً في الداخل الاسرائيلي، وحلماً وُضع على سكة التحقيق لإنهاء الاحتلال.

الثمن غالٍ، ولكن المقاومة تقبضه تعديلاً في موازين القوى، وفرضاً لمعادلات جديدة، وصولاً حتى التأثير في المزاج والنظام العالميين.

الثمن غالٍ، ولكن المقاومة تقبضه بدايةً لنهاية مغتصِب، وضرباً تحت الزنّار للاستعمار والاستكبار، وحرية لا بدّ آتية، وحقوقاً لا بدّ مستعادة.

الثمن غالٍ، ولكن المقاومة تقبضه تشكّلاً جديداً للوعي العربي والدولي، وتوازناً كان مفقوداً لعقود.

الثمن غالٍ، ولكن المقاومة تقبضه سكينًا على رقبة التطبيع، ويقظة جديدة لفكرة أن بالمقاومة فقط يمكن أن ننتصر، وأن الانتصار ليس نصّاً يكتبه الوجدان بل حقيقة يرسمها الميدان!