| جورج علم |
خرجت السيارة الرئاسيّة من مرآب “الخماسيّة” تجرّ وراءها ذيول الخيبة.
الإدارة الأميركيّة منهمكة بمستقبل الرئيس جو بايدن، هل يبقى في السباق الرئاسي، أم يترجّل بعد الهزيمة المعنويّة التي مني بها أمام خصمه دونالد ترامب، إثر المناظرة الأولى بينهما.
الإدارة الفرنسيّة منهمكة بمستقبل الرئيس إيمانويل ماكرون، بعد الهزيمة السياسيّة التي مني بها أمام خصمه حزب “التجمع الوطني” المنتمي إلى اليمين المتطرّف، في الدورة الأولى من الإنتخابات العامة.
عرب “الخماسيّة” أمام استحقاقات والتزامات أبعد ما تكون عن صيف لبنان. هناك تحولات كبرى في المنطقة، والعالم، تستحوذ منهم كلّ اهتمام ومتابعة، ولا ضير يصيبهم إن مدّد الفراغ إقامته في العرزال اللبناني، طالما أن “أمراء الطوائف” منسجمون مع واقع الحال.
ربما يبحث الفرنسي جان إيف لودريان، والأميركي آموس هوكشتاين عن وظيفة جديدة خلال الوقت الضائع. إلاّ أن الإجتماعات المتلاحقة في واشنطن، والإتصالات المكثّفة مع الجهات المعنيّة، تبقي على بصيص من أمل في نهاية النفق.
لم تسفر تلك الاجتماعات والاتصالات عن ثوابت يمكن البناء عليها، لكن الحديث عن عدوان إسرائيلي يستهدف كلّ لبنان، بدأت تخفت نبرته، وتتدوزن عباراته. هناك ضغوط، وأيضاً حسابات، اولها أن الكل خاسر، وليس من منتصر. وإذا ما اندلعت الحرب، وحمى وطيسها، فحجم الخراب والدمار سيكون كبيراً، وسينتهي الأمر إلى وقف لإطلاق النار، وتسوية، وبالتالي خير أن تأتي في ظلّ “الردع المتوازن”، من ان تأتي بعد “خراب البصرة”.
الترف السياسي عند بنيامين نتنياهو ضاق أفقه. كان بإمكانه أن يبتز الإدارة الأميركيّة، لو أن الأخيرة “مرتاحة على وضعها”، لكن أن تكون مأزومة، وعلى جدول أعمالها الكثير من الملفات الضاغطة، فهذا ما يحمله على التفكير، والتروّي، وإعادة التدقيق بأولوياته، وجدول حساباته. كان يبتز البيت الأبيض من خلال الكونغرس، وحجته أن الرئيس بايدن قد جمّد إرسال الأسلحة في وقت “تخوض فيه إسرائيل حرباً وجوديّة”. يريد السلاح، ويريد في الوقت نفسه تنفيذ مخططاته العدوانيّة غير عابىء بالمقترحات الأميركيّة حول غزّة، وجنوب لبنان. يريد من البيت الأبيض الطاعة والإمتثال لمخططاته، والتوقّيع له على بياض، ومن دون نقاش…
إنتهى زمن الترف. أوفد وزير حربه إلى واشنطن لتحرير مستوعبات القنابل الثقيلة، زنة 2000 رطل و500 رطل، من الحظر المؤقت كيلا يستخدمها في حربه على رفح، لكن المحادثات التي جرت كانت بمنأى عن شروط الإبتزاز. أكدت الإدارة الأميركيّة إلتزامها بأمن “إسرائيل” في حال تعرّضها للخطر. وأكدت بأن برنامج تزويد الأسلحة يتم تنفيذه بدقة، وبالمواعيد المحددة، والكميات المرصودة، وبالتالي لا صحة لإدعاءاته، وشعاراته الشعبويّة.
بعد الإنتكاسة السياسيّة ـ المعنويّة التي مني بها الرئيس بايدن وفريق عمله، لا يمكن لنتنياهو أن يُرقّص دبّه في ساحة البيت الأبيض كما يحلو له، والمستجدّ في واشنطن يملي عليه التروي والإحتماء باللحاف الأميركي لأنه إذا ما قرّر البقاء في العراء، فإنه سيصاب بنوبات برد قاتلة!
واشنطن لا تريد توسيع دائرة الحرب ضد لبنان، وكذلك إيران، كلّ من زاوية مصالحه، وحساباته الخاصة، ونظرته لمجريات الأمور، والتداعيات المحتملة، والخيارات المتاحة.
تخوض طهران انتخابات رئاسيّة مفصليّة، المعركة الحقيقيّة ليست معركة شعارات، لا شيء إسمه محافظ أو إصلاحي طالما أن الفائز، أيّاً كان، يأوي تحت خيمة النظام، وطالما أن كلمة المرشد الأعلى، هي الكلمة الفصل في النهاية.
إنتخابات إيران، بوجه آخر، هي استفتاء حول الدستور، والنظام بهيكلياته وتراتبياته. هي مساحة ضوء على الأوضاع الإقتصادية، والإجتماعيّة، والصحيّة، والمعيشيّة. هي المؤشر حول أي سياسة خارجيّة يفترض إعتمادها، وهل يبقى الدور للقميص المرقّط، ام للقفازات الحريريّة؟ وهل من إنفتاح، وحوار يقود إلى رفع العقوبات، وتسييل الأموال المجمّدة، وتحرير النفط كي يدخل الأسواق العالمية محرراً من القيود؟ أم الإنكفاء، والإنزواء، والبقاء في رفع السدود، والتغنّي بتوفير الدواء لكل داء؟!
وما بين هذا وذاك، هناك حديث عن “مرونة”. مرونة في التعاطي بإيجابيّة مع المبادرات الجديّة المتوازنة لإنهاء حرب غزّة. هناك مرونة في الحديث عن لبنان، لا تريد طهران توسعة الحرب. وتريد التعاطي بإيجابية مع المبادرات الهادفة إلى وقفها في الجنوب، في حال التوصل إلى وقفها في غزّة . تريد حواراً داخليّاً لا يبقي المقاومة خارج بيئتها اللبنانيّة التعدديّة الجامعة، تريد إستحقاقاً رئاسيّاً، وإعادة بناء وتفعيل المؤسسات الرسميّة للدولة بمختلف أقسامها، وقطاعاتها السياسيّة، والإقتصاديّة، والماليّة، والأمنيّة ، والخدماتيّة.
ليس من قبيل الصدفة أن يتلو نائب الأمين العام لـ”حزب الله” الشيخ نعيم قاسم فعل إيمان بالطائف، في هذا التوقيت بالذات.
ولا من قبيل الصدفة أن تتكثف المساعي لإعادة المياه إلى مجاريها ما بين بكركي والضاحية الجنوبيّة، ولا من قبيل الصدفة أن تعود الجامعة العربيّة عن قرار إتخذته، لتصحّح وتقول بان “حزب الله” ليس منظمة إرهابيّة. ولا من قبيل الصدفة أن يأتي الكاردينال البارز في الفاتيكان بيترو بارولين إلى بيروت ليقول كلاماً حول الصيغة، والنظام، والكيان “سيبقى لبنان وطن الرسالة.. مختبر الحضارات، والأديان ، والثقافات”…
متى؟ وأين يصرف هذا الشيك؟
يقال بأن سيارة الرئاسة الأولى قد خرجت من مرآب “الخماسيّة”. وهناك “ثنائيّة”، ربما تتحوّل إلى “سداسيّة” تحتضنها، وتصلح أمرها في مدى قريب!