/ علاء حسن /
عادة ما تقاس حضارة الشعوب بمدى اتقانها للمفردات الثقافية المنبثقة عن قيمها وعراقة تاريخها، والتي تباهي بها الأمم الأخرى، فلا يمكن لأمة أن تنافس في الحضارة، ما لم يكن لها ارث من المكونات الثقافية التراثية التي تعبر عن تجذرها في التاريخ الإنساني.
ولما كانت الثقافة تحتوي على الموسيقى والفنون بمختلف أنواعها، فإنها تشكل لغة مشتركة تحاكي فيها الشعوب الأخرى، وتخلق المشتركات، خصوصاً بين الشعوب ذوات التاريخ المشترك، والجغرافيا المشتركة، والعمق الأيديولوجي المشترك.
لذا، تعمل الدول على التقارب السياسي من البوابة الثقافية، عندما تجد أن الأبواب السياسية لم تعد تكفي لفتح ثغرة ما تستطيع من خلالها الولوج إلى المجتمعات الأخرى، بغية تحقيق المصالح المشتركة، وفتح آفاق تعاون متنامي.
وفي هذا السياق، تم الإعداد لـ”أيام الفجر الثقافية” من قبل المستشارية الثقافية للسفارة الإيرانية في بيروت، بالتعاون مع وزارة الثقافة اللبنانية، وجمعية رسالات، من أجل تبيان المشتركات بين الشعبين، ومنها لغة الموسيقى والغناء، لما كان للبلدين من ريادة في هذا المجال.
إلى ذلك، قامت وزارة الثقافة اللبنانية بمبادرة مهمة، في ظل الكباش السياسي الحاصل في البلد،، عبر استقبالها لوزير الثقافة الإيراني والوفد المرافق له من فرقة أوركسترا وفنانين من مختلف الاختصاصات، من أجل إظهار الصورتين الحضاريتين، اللبنانية والإيرانية على حد سواء، وذلك عبر اقامة أمسيات ومعارض وجولات، خرقت الانغلاق السياسي اللبناني تجاه الجمهورية الاسلامية.
وفي هذا الإطار أتت زيارة الوزير الإيراني، ولقاءه مع الرؤساء الثلاثة، بالإضافة إلى شخصيات ثقافية ودينية، وكان آخرها، ليل أمس، مع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، الذي تناول فيه شؤون التعاون بين البلدين. مما يدل على نية إيرانية لفتح باب الحوار مع الأطراف اللبنانية، وشرح المواقف الثابتة تجاه لبنان في ما يتعلق باستقلاله ودعمه، من منطلق الجيرة والمصالح الاستراتيجية لكل من الطرفين، خصوصاً في ما يتعلق بمقاومة العدو الصهيوني الذي يعد تهديداً مشتركاً لكل من البلدين.
إلى ذلك فقد قام وزير الثقافة اللبناني القاضي محمد وسام المرتضى، بخطوات ايجابية، من أجل تقريب وجهات النظر بين البلدين، والتأكيد على الثوابت التي تقوم عليها العلاقة البينية، معبراً بذلك عن أن “السمة الأولى للّقاء اللبناني الإيراني، كانت وما زالت السمة الثقافية، المرتكزة إلى القيم، ومنها السيادة والحرية ومقاومة الظلم وجبه العدوان”.
على أن الرهان يبقى على نية جادة لدى الحكومة اللبنانية في عدم الانحياز الكامل ضد ايران إرضاء للخارج، في الوقت الذي يتحاور الخارج بمختلف أطرافه مع الجمهورية الاسلامية في القضايا ذات الاهتمام المشترك كافة، من دون الخشية من احتلالها أو أدلجتها.