| ناديا الحلاق |
ضاعف العدوان الإسرائيلي على لبنان أزمات توفير المواد الغذائية وغلاء المعيشة بالإضافة إلى الارتفاع السريع والمتواصل للتضخم. بالتزامن مع الانهيار المالي والاقتصادي الذي يعاني منه البلد منذ العام 2019، وعدم التوصل الى أي خطط إصلاحية تنتشل الوطن وشعبه من الانهيار، ما فاقم من معاناتهم المعيشية وجعلها أكثر تعقيداً.
وبحسب الأرقام المحدّثة للأمن الغذائي الصادرة عن البنك الدولي، سجّل لبنان ثاني أعلى نسبة تضخّم إسميّة في أسعار الغذاء حول العالم بين الفترة الممتدة بين شهر كانون الثاني 2023 وشهر كانون الثاني 2024 (181.0% نسبة تغيّر سنويّة في مؤشّر تضخّم أسعار الغذاء).
وفيما تتوالى التقارير التي تتحدث عن تداعيات الازمة الاقتصادية على لبنان وانعكاسها على الأمن الاجتماعي والغذائي للمواطنين اللبنانيين الذين باتوا مهددين بالجوع التام، كنتيجة للارتفاع الضخم في الأسعار مقابل ثبات في مداخيل الأسر والأفراد، أي مستقبل اقتصادي ينتظر لبنان؟
الخبير الاقتصادي البرفسور بيار الخوري يقول لموقع “الجريدة”: “ما حصل في لبنان من تثبيت سعر الصرف ودولرة الأسعار بالنسبة للأسعار بالتعبير أكثر عن واقع السوق، ففي الفترات السابقة تم تشويه الأسعار وانعدام العرض في المراكز الكبرى للبيع خوفاً من تقلبات سعر الصرف في الوقت الذي كانت فيه مجبرة على التسعير بالليرة اللبنانية. ولكن عند تحرير سعر صرف الشراء أصبح لدينا ظاهرة جديدة وهي تثبيت السعر على هامش 89500 ليرة بسبب وقف تدخل مصرف لبنان لضخ الليرات في السوق، في وقت بقي فيه مستوى الدخل في البلد على حاله، لا بل تراجع تدريجياً بعد التصحيح الذي حصل في القطاع نتيجة مجموعة الأزمات التي يغرق فيها لبنان”.
ويضيف الخوري: “بالتأكيد تحرير الأسعار ساهم بدفع السوق إلى الامام، ولكن إن وضعنا ميزاناً للأمر مع تحرير العناصر الأخرى (السياسية والأمنية والجيواستراتيجية) المتصلة بلبنان، وسنلاحظ أن هذا الشيء لم يساعد على الاطلاق بانفاق استثماري يسهم برفع التاتج الوطني، لافتاً إلى أن لبنان اليوم يعتمد أكثر الاستيراد حيث يستورد بين 17 و19 مليار دولار سنوياً ما يخلق زيادة في الطلب في ظل شبه انعدام للناتج المحلي، إذاً من الطبيعي أن تتجه الاسعار نحو الارتفاعاً بسبب زيادة الاستيراد”.
وعلى الرغم من أن 70% من الأجور تم تصحيحها خلال السنة الماضية، إلا أن التضخم المتواصل ساهم في تآكلها ما دفع المواطن إلى المطالبة بزيادات مستمرة تلبي قدرته الشرائية المتهالكة وتساعده على العيش بكرامة.
ويوضح الخوري أن “الأجور المصححة لم تواكب غلاء المعيشة ما أدى إلى توسع “الديون البينية”، أي الاستدانة من الأقارب من أجل تسيير أمورها في ظل غياب الدين الرسمي إلا أن لهذه العملية تداعيات اجتماعية كبرى أدت إلى خلق مشاكل بين العائلات”.
كما يشير إلى أن “لبنان منقسم إلى فئات دخل متعددة وهو ما يجب أن نأخذه بعين الاعتبار و عدد الفئات، فئة مرفهة تتراوح بين 10% و30% تقريباً، فئة تستطيع أن توازن ميزانيتها بالحد المطلوب كي تستعيد نمط الحياة، وفئة معدومة وهي الأكثر خطورة في ظل غياب أي خطط إصلاحية تحسن من أوضاعهم”.
وبالنتيجة، كل هذه الأزمات تبقى رهن إيجاد رؤية استراتيجية للبنان على الرغم من أن الوضع العام يشير إلى أننا بعيدين كل البعد عنها، إلا في حال الوصول إلى اتفاق ما على صعيد المنطقة فمن الممكن أن يتغيّر الوضع في لبنان، أما إن بقى الوضع على حاله فنحن أمام كارثة اجتماعية مرتقبة.