“الضاحية” تُرَسِّم “قواعد اشتباك” الغاز: خط أحمر عند الخط 29؟

/محمد حمية/

بعد التضعّضع الذي ضرب الموقف الرسمي اللبناني في ملف ترسيم الحدود، وخلاف “الخطوط” بين “هوف” والـ29 وما بينهما “هوف+”، رفع حزب الله سقف التحدي راسماً “قواعد اشتباك” بحرية جديدة، ومنح الموقف اللبناني الرسمي قوة وحماية من الضغوط التي تمارس على لبنان،

“لن نسمح بالتنقيب عن الغاز ما لم ننقّب نحن، وليبلطوا البحر”.. معادلة جديدة أطلقها رئيس “كتلة الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد، وتخفي عودة حزب الله بقوة الى مشهد الترسيم، بعدما ترك للحكومة وللدولة اللبنانية تقدير الموقف وتحديد الحدود البحرية.

وتشير مصادر مطلعة على الملف، لموقع “الجريدة”، الى أن موقف الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، الذي كان أعلن عدم تدخل حزب الله في ملف الترسيم وترك الدولة تفاوض لترسيم الحدود، وتعهد المقاومة الدفاع عن المنطقة التي تعتبرها الدولة ضمن المياه الإقليمية اللبنانية، دفع ببعض الموقف اللبناني الى استسهال الأمر، واستغلال موقف الحزب، وإدخال الملف في بازار المساومات وتقديم تنازلات سريعة، استجابة للضغوط الأميركية، بعد زيارة الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين الأخيرة الى بيروت الذي جاء لتحصيل مكاسب للعدو الإسرائيلي على حساب المصلحة اللبنانية.

من هنا، استشعر الحزب خطراً على الحقوق اللبنانية، وتوجس من التفريط الرسمي بالثروة النفطية والغازية، وسط مخاوف من استغلال “إسرائيل” الفرصة لقرصنة الحقول محل النزاع، ما دفع الحزب لتصحيح المسار وتوجيه رسالة للدولة اللبنانية بضرورة تعديل الموقف، ورسالة للعدو الإسرائيلي بأن التنقيب في المنطقة ضمن الخط 29 سيؤدي الى توتر عسكري على الحدود البحرية مع لبنان.

عبّر النائب رعد عن موقف الحزب، جازماً بأن “سنبقي غازناً مدفوناً في مياهنا الى أن نستطيع منع الاسرائيلي من أن يمد يده على قطرة ماء من مياهنا”. ما يعني أن الحزب وضع خطوطاً حمراء أمام العدو الإسرائيلي على كامل المساحة ضمن الخط 29 في المياه الإقليمية، وبالتالي التأكيد على منع العدو الإسرائيلي من التنقيب في كامل المنطقة الاقتصادية داخل الخط 29 حتى انتهاء المفاوضات، وأن أي تحرك إسرائيلي للحفر في البلوكات الواقع ضمن هذه المنطقة سيعرض الشركات التي تعمل هناك للخطر، وأن أي تحرك عسكري إسرائيلي لحماية الشركات والدفاع عن هذه المنطقة، سيؤدي الى نزاع عسكري قد يتطور الى حرب ستذهب اليها المقاومة مهما كلف الثمن.

وتشمل رسالة حزب الله الأميركيين أيضاً، بحسب المصادر، بأن الضغوط الذي مارسها مبعوثهم هوكشتاين على الدولة اللبنانية في زيارته الأخيرة، لن تخيف حزب الله ولن تدفعه للتنازل عن الحقوق، وأن المعادلة “الابتزازية” التالية التي وضعتها واشنطن: “استثمار لبنان ثروته النفطية والغازية، مقابل التنازل في ملف ترسيم الحدود البحرية” لن تمر، والرد عليها بمعادلة مقابلة مفادها: “سنبقي غازنا في أرضنا، لكن أيضاً سنبقي الغاز الفلسطيني تحت البحر، وسنمنع إسرائيل من التنقيب في المنطقة الواقعة ضمن الخط 29”.

وبحسب ما علم موقع “الجريدة”، فإن حزب الله استدرك الموقف ووضع معادلته الجديدة قيد التداول، قبيل شهر من بدء العدو الإسرائيلي التنقيب في حقل “كاريش” المُلاصق للبلوك رقم 9 اعتباراً من آذار المُقبل. وبحسب خبراء في القانون الدولي وقانون البحار، فإن بدء التنقيب الإسرائيلي في أي بقعة نفطية في البحر، سيكرس أمراً واقعاً في هذه الحقول، ما يجعل إعادة تثبيت الحقوق والملكية اللبنانية لهذه الحقول أمراً صعبا للغاية. هذا فضلا عن أن تحالف شركات (Total) و (Novatek) و(ENI)، يواصل المُماطلة بعملية التنقيب في البلوكات التي لزمها لبنان منذ سنوات عدة، لا سيما بلوك 9، بحجّة عدم بتّ النزاع الحدودي.

أوساط سياسية تشير لـ”الجريدة” إلى، أن المعادلة التي أرساها حزب الله ستدفع الإسرائيلي للعودة الى طاولة التفاوض لكي يضمن استثماره للحقول التي يعتبرها واقعة في فلسطين المحتلة، وتعزز المعادلة أيضاً الموقف التفاوضي للدولة، بعد النكسة التي تعرض لها إثر التباين في الخطوط بين رئاسة الجمهورية (23) والوفد العسكري التفاوضي الذي تمسك بالخط 29. ويعني أيضاً أن المنطقة الواقعة ضمن الخط 29 أصبحت منطقة متنازع عليها ولا يمكن لأحد أن يبدأ التنقيب فيها قبل نهاية التفاوض. وتشدد الأوساط أن موقف حزب الله سيعيد تصويب المسار التفاوضي، ويمكن للدولة أن تقتنص هذا الموقف لإعادة طرح الخط 29 والتفاوض على كامل مساحة 2250 كلم مربع، وليس حصر التفاوض بمساحة 860 كلم مربع كما يريد الوسيط الأميركي.