حسابات “حزب الله” بعد الاغتيال

| عماد مرمل |

شكّل اغتيال جيش الاحتلال الإسرائيلي لأحد القادة الميدانيين الأساسيين في «حزب الله» طالب سامي عبدالله (الحاج ابو طالب) تطوراً بالغ الخطورة في مجريات المواجهة المندلعة منذ (8 اكتوبر) على امتداد الجبهة الجنوبية.

من الواضح أنّ تل ابيب لا تزال تعتمد بشكل اساسي على سياسة الاغتيالات، في معركتها مع الحزب، لمحاولة التعويض عن الضربات الموجعة التي تتلقّاها في الميدان براً وجواً، وعن عدم قدرتها حتى الآن على شنّ حرب شاملة ضدّ الحزب ولبنان لأسباب عدة، إضافة إلى انّها تفترض انّ بإمكانها استغلال الواقع المستجد على جبهة لبنان بعد (7 اكتوبر) لتصفية قادة ميدانيين مدرجين في بنك أهدافها، وذلك ضمن إطار سجال الحرب، بعدما كانت مقيّدة على هذا الصعيد في المرحلة السابقة.

وليس خافياً انّ العدو الاسرائيلي يستفيد من تفوقه المعلوماتي والاستخباري لتنفيذ الاغتيالات التي لا يقلّل «حزب الله» من شأنها، ولكنه في الوقت نفسه يعتبر انّها تندرج في سياق الأثمان المتوقعة في الحرب، ولو انّها تكون موجعة احياناً، كما حصل مع استشهاد مسؤول وحدة «نصر» ورفاقه في الغارة التي استهدفت مكان تواجدهم في بلدة جويا.

 

وكما صار معروفاً، فإّن الشهيد (ابو طالب) هو أرفع مسؤول ميداني يفقده الحزب على امتداد اكثر من 8 أشهر من المواجهات، ويكشف المطلعون انّه كان المسؤول لوحده عن نصف مجموع العمليات العسكرية التي استهدفت مواقع الاحتلال ومقراته في سياق معركة إسناد غزة، ما يؤشر إلى أهمية الموقع الذي كان يشغله، وحيويته الفائقة.

الّا انّ الحزب واثق في قدرته على تجاوز مفاعيل عملية الاغتيال، ومطمئن إلى انّها لن تترك اي تأثير على بنيته التنظيمية وجهوزيته القتالية، خصوصاً انّه مهيأ سلفاً لأسوأ الاحتمالات ومستعد لها، وبالتالي فإنّ البدائل جاهزة لملء اي شغور طارئ، والاكيد انّ هناك من سيحلّ تلقائياً مكان قائد وحدة «نصر» وسيواصل دوره ومهمّته.

وقد أتى الهجوم الأشمل والأوسع منذ (8 اكتوبر)، والذي شنّته المقاومة امس في وقت واحد على 15 موقعاً للاحتلال في الجليل والجولان، كي يوصل رسالة واضحة إلى الاسرائيلي بأنّ اغتيال قائدها الميداني لم يغيّر شيئاً، لا في موازين القوى ولا في الزخم الذي يخوض به الحزب معركته.

ولعلّ التجارب التي مرّ فيها الحزب منذ تأسيسه عززت مناعته البنيوية وخبرته في احتواء تداعيات اي اغتيال، إذ سبق له ان خسر قياديين كباراً في مراحل مختلفة ومن بينهم أمينه العام السابق السيد عباس الموسوي والحاج عماد مغنية، لكنه في كل مرّة كان ينجح في تعويض الخسارة، في دلالة إلى أنّه أصبح مؤسسة لا تتوقف على أشخاص مهما كانت اهميتهم، وفق ما تؤكّد اوساط قريبة من «حزب الله».

ومع انّ اغتيال ابو طالب كان مؤلماً، الّا انّ الحزب بدا حريصاً على تفادي الانفعال في سلوكه او الارتجال في قراراته، فاختار الردّ القاسي والمدروس، في آن واحد، بغية معاقبة الاحتلال الإسرائيلي على جريمته وإعادة ترميم قواعد الردع، انما من دون أن ينزلق الى حرب واسعة يعرف انّ لها شروطها ومتطلباتها ولا يمكن استسهال الذهاب اليها من باب «فشة الخلق».

وبهذا المعنى، فإنّ الحزب لم يتصرّف على اساس انّ استهداف قائده الميداني هو سبب كافٍ للدفع نحو الحرب الشاملة، وإن كان قد أصرّ في الوقت نفسه على أن يكون الرّد استثنائياً وغير مسبوق في حجمه ومساحته للجم اندفاعة العدو نحو توسيع دائرة استهدافاته.

والحزب ينطلق في خياره من انّ المواجهة الشاملة لها حساباتها الدقيقة التي تستوجب درس البيئة الاستراتيجية لأي قرار من هذا النوع، وتقدير وافٍ لجهوزية الواقع اللبناني والبيئة الحاضنة، والتحسب للانعكاسات المحتملة على مجمل محور المقاومة من بيروت إلى طهران، وما إلى ذلك من اعتبارات حيوية.

ويبدو انّ العدو الاسرائيلي بدوره لا يريد أن يتدحرج التصعيد بينه وبين الحزب إلى مواجهة كبرى، على الرغم من «القنابل الصوتية» التي يطلقها قادته من حين الى آخر، فهو يدرك جيداً انّه ليس مهيئاً لخوض مثل تلك المواجهة الواسعة، فيما هو لا يزال يتخبّط في وحول غزة، إضافة الى انّ «رئته الاستراتيجية»، اي واشنطن، ليست جاهزة لتغطية اي قرار بتوسيع الصراع.