حركة فرنسية باهتة في الوقت الضائع أميركياً

جريدة الأخبار

| هيام القصيفي | 

قد يستغرق الأمر وقتاً للاقتناع بأن الحراك الفرنسي في المنطقة ولبنان لن يقدّم أو يؤخّر، ولا سيما في الوقت الضائع أميركياً مع تعليق الولايات المتحدة اسراتيجيتها في المنطقة قبل انتخاباتها الرئاسية.

الفارق بين جولتي وزيري الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن (والتطبيع السعودي مع إسرائيل جزء أساسي فيها) والفرنسي ستيفان سيجورنيه في المنطقة، هو أن الغلبة لبلد الأول كطرف مؤثّر في مستقبل الاقليم بعد 7 تشرين الأول، وبإحاطته برؤية ما بعد الحرب في ما يتعلق بلبنان.زيارة الوزير المكلف بتنفيذ توجيهات رئيسه ايمانويل ماكرون بعيداً عن تأثيرات الدولة العميقة في الخارجية الفرنسية، تأتي بعد أيام قليلة على لقاء جمع ماكرون ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في الاليزيه، ما يعني أنها، حتى في الشكل، لا ينتظر أن تحمل جديداً. وفي وقت كثرت التكهنات باحتمال عودة الموفد الفرنسي جان إيف لودريان إلى بيروت، وهو الأمر الذي لم يكن متوقعاً بروتوكولياً على الأقل بعد الحراك الأخير لممثلي اللجنة الخماسية في بيروت، غاب كل كلام عن اجتماع لأعضاء الخماسية بعد التحولات التي شهدتها المنطقة منذ الرد الإيراني على قصف إسرائيل للقنصلية الايرانية في دمشق.

هناك موعدان فاصلان بالنسبة إلى الدبلوماسية الأميركية العاملة في المنطقة: عملية حماس والرد الإيراني. ولكليهما انعكاس مباشر على السياسة الأميركية في المنطقة ولبنان. ورغم أن واشنطن حاضرة بقوة في المنطقة التي لا ينفك بلينكن عن زيارة دولها (باستثناء لبنان بطبيعة الحال)، إلا أن الواقعية تقضي بعدم توقع استراتيجيات طويلة الأمد، في مرحلة ما قبل الانتخابات الرئاسية. إذ لن تغامر أي دولة عربية أو إقليمية بالتماهي مع خريطة طريق أميركية موسّعة ومستقبلية للمنطقة، قبل أشهر قليلة من حسم هوية الرئيس المقبل، وقبل تمكّن الإدارة الجديدة من رسم معالم سياستها الخارجية. علماً أن ما يميز الانتخابات، هذه المرة، أن سياستي كلا المرشحين الرئيسيين، جو بايدن ودونالد ترامب، معروفة سلفاً، بعدما أمضى كلاهما ولاية رئاسية في البيت الأبيض، ولكل منهما استراتيجيته تجاه إسرائيل أو الدول العربية التي تتريّث في إظهار ما سبق أن حسمته ولا سيما في ملف التطبيع. لذا، في هذا الوقت الضائع ينحصر الكلام بتسويات ظرفية لا تتعدى حل مشكلات قائمة من دون توقعات كبيرة في ما يتعلق بالقضايا المصيرية.

والأمر نفسه ينطبق على أوروبا وعلاقتها بالانتخابات الأميركية. إذ إن لترامب حسابات مختلفة معها، وهو سبق أن ارتدّ عليها حين أصبح رئيساً لوقوف الأورووبيين وراء المرشحة هيلاري كلينتون ومعارضتهم عناوين برنامجه الانتخابي، والأمر نفسه سيتكرر في حال نجاحه. من هنا، واستباقاً لدخول واشنطن في معركة الرئاسة، مع ما سيترتب على ذلك من تجميد لملفات المنطقة، تحاول دول أوروبية، في الأشهر القليلة الفاصلة عن الانتخابات، الحلول محل واشنطن برسم سياسة جديدة أو تقديم حلول ولو مجتزأة، تارة تحت ستار إنساني وأخرى تحت ستار أمن المنطقة وأوروبا وعدم توسيع رقعة الحرب. لكن رغم الضغط الأوروبي، ومحاولة فرنسا للحضور بقوة في الحراك الإقليمي، يستمر وهج هذه السياسة خافتاً. فدول المنطقة أساساً تعوّل على الدور الأميركي دون سواه، إن لجهة حرب غزة أو تحديد أطر الحرب والسلم والتدخل لإنهاء الحرب، حيث لها الكلمة الفصل على إيقاع الضغطين الإسرائيلي والإيراني. كما أن تل أبيب وطهران تتعاملان مع فرنسا من منظار آنيّ لا استراتيجي، ما يترك السنياريوهات الأوروبية معلّقة. والأمر نفسه بالنسبة إلى لبنان، حيث تتواصل المحاولات الفرنسية للبقاء على خط الوساطة بين إسرائيل وحزب الله، من دون أي ملامح نجاح فعلي. في المقابل، يصرّ الأميركيون على تظهير موقفهم بوضع حدّ معين لتحرك فرنسا. لذلك لا يعود مجدياً الكلام عن ورقة فرنسية، مختصرة أو موسّعة، أو توقّع نجاحها، مهما كانت علاقة فرنسا قوية مع حزب الله وإيران. علماً أن الطرفين اللذين يحرصان على إبقاء خطوط التواصل معها قائمة، يدركان أن واشنطن هي صاحبة الاختصاص في حسم أي ترتيبات معهما في ما يتعلق بلبنان، وهي باتت اليوم أكثر حضوراً فيه من المرحلة السابقة. لذا مرة أخرى تصبح الحركة الفرنسية مجرد إطار دبلوماسي لا يقدّم ولا يؤخّر. تماماً كما الحال التي وصلت إليها مبادرات فرنسا الرئاسية المتتالية.