/ محمد حمية /
في خِضَم العواصف الداخلية المتنوعة التي يرّزح تحت وطأتها لبنان منذ عامين ونيف، شخصت الأنظار من جديد إلى الأمن من بوابة شبكات العملاء الإسرائيلية التي وقعت في قبضة فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي خلال الأيام القليلة الماضية، الأمر الذي يطرح تساؤلات حول أهداف “إسرائيل” جراء استمرار وضع لبنان على جدول أعمالها الأمنية.. هل بهدف العبث الأمني لإحداث فوضى وشغب قبيل الانتخابات النيابية؟ أم لتنفيذ أعمال أمنية تمس الأمن القومي، كتفجيرات أو تنفيذ اغتيالات لإشعال الفتن الطائفية والمذهبية؟
أماط فرع المعلومات اللثام عن 17 شبكة تجسس لصالح “إسرائيل”، تنشط على كامل الاراضي اللبنانية لها أدوار إقليمية ومحلية، كما أعلن وزير الداخلية بسام المولوي خلال جلسة مجلس الوزراء. ما يعيد مسألة الأمن الوطني إلى الواجهة.
لكن مجموعة تساؤلات طُرِحت عن طبيعة هذه الشبكات ومصدر تشغيلها وتمويلها، من الداخل أم من الخارج؟ وهل يدل اكتشافها على يقظة الأجهزة الأمنية اللبنانية وتراجع فعالية الموساد الإسرائيلي في زرع عملائه في لبنان؟ أم ما تم اكتشافه عبارة عن شبكات ظاهرة معروفة المدى الأفقي، لكنها تُخفي خلفها شبكات عامودية أكثر عمقًا وتمددًا وانتشارًا واستراتيجية في الأهداف؟
وإذ لم يُفصِح وزير الداخلية عن معلومات إضافية حرصًا على سرية التحقيق المستمرة حتى الساعة، إلا أن المعلومات المسربة تكشف أن الشبكات منفصلة عن بعضها، وغير مترابطة، ولا تعرف بعضها، ومتنوعة المهمات، ومن شبه المؤكد وجود شبكات أخرى عملت على التخفي بعد اكتشاف الشبكات التي أعلن عنها.
واللافت في الملف أمور عدة: أن الأشخاص الموقوفين على ذمّة التحقيق ينتمون الى مختلف المناطق والطوائف، ويعملون على كامل الأراضي اللبنانية.. يتخطى عملهم الحدود اللبنانية ليشمل دولًا أخرى كسوريا والعراق واليمن والمنظمات وحركات المقاومة الفلسطينية، أي الدول التي تُشكل خطرًا على “إسرائيل”.. تمكن الاستخبارات الإسرائيلية من التوغُّل في فرع المعلومات نفسه، واختراق صفوف حزب الله، علمًا أن المعلومات الرسمية لم تؤكد ذلك بعد.
المُطلعون على الوضع الأمني يشيرون لموقع “الجريدة” إلى خطورة الشبكات المنفصلة غير المترابطة، حيث كل منها مكلفة بتنفيذ مهمة معينة، لكنها تخضع للإدارة والتحكم والقيادة في “إسرائيل”، ويشددون على أهمية الإنجاز كتدبير وقائي لمواجهة مشروع الفتنة الذي كان يخطط للبنان.
واللافت أيضًا، بحسب المطلعين، هو اختيار العملاء من كافة الطوائف لتسهيل حركة تنقل وانتقال العملاء في كافة المناطق اللبنانية، ولتسهيل العمل وجمع المعلومات في بيئتهم بشكل لا يثير الشبهة.
وما يجدر التوقف عنده هو استغلال “إسرائيل” الظروف المالية والاقتصادية في لبنان للإيقاع بالمواطنين لتشغيلهم معها مقابل مبالغ مالية تقدر ب100 و200 و300 دولار، ما يخلق ثغرة وطنية يمكن للعدو النفاذ منها لخرق المجتمع اللبناني، وبالتالي منظومة الثوابت السياسية والوطنية والقومية التي يتمسك بها اللبنانيون وعلى رأسها العداء لـ”إسرائيل”.
ويُذكّر المطلعون في هذا الاطار بخطة وزير الخارجية الأميركي السابق مايك بومبيو لخلق الفوضى الأمنية في لبنان، الأمر الذي يبدأ بتعميم الفراغ السياسي، وضرب الاقتصاد، وصولًا للانهيار المالي والاقتصادي والنقدي وتجويع الناس، تمهيدًا لمشروع الفتنة والانهيار الأمني، ما يسهل تجنيد العملاء وفي التنظيمات الإرهابية. ويحذرون من التخطيط لتنفيذ عمليات اغتيال لتدبير فتنة أهلية في لبنان.
لكن إذا كان الهدف الجوهري لزرع شبكات العملاء هو تفعيل الحرب الأمنية والاستخبارية مع حزب الله تحت عنوان “حرب الأدمغة”، وبالتالي اختراق عرين حزب الله في مناطقه المعروفة كالضاحية وعمق الجنوب والبقاع، فما الذي يُفسّر اختراق بيئات أخرى ولأي أهداف؟ وما يُعمّق الشكوك أن من ضمن مهمة الشبكات هو جمع المعلومات عن العقارات في مختلف المناطق اللبنانية!
المطلعون يكشفون أن إحدى الشبكات مكلفة بإجراء مسح عقاري وجغرافي وديموغرافي للمناطق اللبنانية لمعرفة التركيبة السكانية والعقارية، وذلك في اطار مشروع التقسيم الجغرافي – الأمني الذي يُعد في “الكونغرس” الأميركي بهدف الفصل بين منطقتين: واحدة لحزب الله، وأخرى تمتد من بيروت الادارية وصولًا الى عكار ولديها مرفأها ومطارها لا يدخلها حزب الله. ويتقاطع هذا المشروع بحسب المطلعين مع ما تطرحه بعض الجهات السياسية والإعلامية من مشروع “الفدرالية” واللامركزية” الإدارية والمالية.
وتشير معلومات “الجريدة” الى أن حزب الله شدد من إجراءاته واحتياطاته الأمنية، لا سيما حول القياديين الذين يعتبرون في دائرة التهديد الأمني.