عائشة بكار .. ليست مكة المكرمة لكن على باب دار الفتوى ضج الحجيج السياسي لأداء مناسك الولاء للميثاقية. وعلى مسافة أيام من إقفال باب بيت الوسط في وجه الاستحقاق الانتخابي، باتت الدار قبلة الأطراف السياسية وكل يرمي بجمرات قلبه على غياب مكون أساسي عن المسرح الانتخابي، بعد رمي سعد الحريري الحرم على مشاركته وتياره في الانتخابات.
لكن الطائفة السنية ليست بحاجة إلى من يرثي حالها وتاريخها زاخر بالطاقات والكفاءات، بكى الحريري ملكا لم يستطع الحفاظ عليه .. حفظ الرجال وبفعلته خلط الأوراق على طاولة الجميع وأسقط كل التوقعات وبيانات التحالفات، وأعاد الأمور إلى ما تحت الصفر في جميع الدوائر الانتخابية. ومن هذا المنطلق كان الهجوم الى دار الإفتاء من فراغ بيت الوسط وكل من زارها وسيزورها، إنما ليقدم براءة ذمة عن تطيير الانتخابات وليفتح اعتمادات في سوق الصرف الانتخابي، ويستخدم منبر أعلى مرجعية سنية لتسجيل المواقف وإرسال رسائل الى العرب والغرب، من أن الانتخابات حاصلة وفي موعدها.
وإلى جموع العازفين على هذا الوتر، انضم اليوم رئيس الجمهورية ميشال عون بزيارة جذب العصب السني إلى دائرة “التيار الوطني” من باب الحرص على دور الطائفة السنية في المحافظة على وحدة لبنان وتنوعها.
إلا أن وحدة لبنان معلقة على قرار عربي بعد رد لبناني حمله وزير الخارجية عبد الله بو حبيب إلى اجتماع وزراء الخارجية العرب المنعقد غدا في الكويت. وفي معلومات “الجديد” أن بوحبيب سلم رسالة الرد الى نظيره الكويتي، وهو قال إن “أجواء الاجتماع بوزير الخارجية الكويتي كانت ممتازة وقد أعجبته الورقة اللبنانية”.
لا يملك لبنان إلا أن يعلن تمسكه بتنفيذ القرارات الدولية مع المحافظة على استقراره وسلمه الأهلي ولبنان أدرى بشعاب تلك القرارات، فالقرار رقم الف وسبعمئة وواحد مثخن بالخروق الإسرائيلية جوا وبرا وبحرا، حيث لا نملك سوى لعب دور العداد في تسجيلها، وتطبيق البند الثالث من القرار الف وخمسمئة وتسعة وخمسين الذي ينص على حل جميع الميليشيات وسحب سلاحها منها، متوقف على انسحاب إسرائيل من الأراضي اللبنانية التي لا تزال تحتلها، واحتلال هذا بسلاح ذاك، فماذا سيكون رد العرب؟.
مصادر مطلعة أفادت بأن السقف ربما سيكون عاليا، لكن هذا السقف سينهار على لبنان ولن يصيب إسرائيل بشظية موقف، وأمام المجتمعين غدا انتشال لبنان من مأزقه لا برميه في البئر، واستخدام علاقات حسن الجوار العربي مع الأميركي والإسرائيلي لتجنيب لبنان كأس العقاب المرة، والمساعدة على تحرير ما تبقى من أراضيه لا باعتقاله وفرض العزلة عليه وقطع العلاقات به، وصولا الى التهويل بطرده من جامعة الدول العربية.
لبنان معلق على مفاعيل اجتماع الكويت، وهو سلف العرب تاريخا من الدفاع عن القضايا القومية، ونزوحا نحو شأنه الداخلي فقد علق مشروع موازنته اليوم على التيار الكهربائي والسلفة التي طلبها وزير الطاقة، فهل في استطاعة سلفة أن تقوم بمرفق هدرت فيه مليارات الدولارات، شأنه شأن سدود ارتفعت لجمع مياه “متل اللي عم بعبي السلة مي”.
بين السراي الحكومي ودار الفتوى انحصر الحراك البارز اليوم، قبل أن يتمدد مساء إلى الكويت.
في السراي، تواصل ماراتون جلسات مجلس الوزراء على نية الموازنة أما نجمها فكان المادة المتعلقة بسلفة الكهرباء، التي أثارت نقاشات حادة إنتهت إلى تعليقها، ريثما يقدم وزير الطاقة المبررات لطلب السلفة ضمن خطة الكهرباء.
الوزراء يأخذون استراحة غدا ليستأنف المجلس جلساته الإثنين المقبل، كما يعقد جلسة أخرى يوم الأربعاء. فهل تنجز الموازنة فيها لتعبر إلى مجلس النواب؟.
في دار الفتوى جلسة مفاجئة عقدها رئيس ومفتي الجمهورية، وجاءت لافتة من حيث توقيتها بعد الاعتكاف السياسي للرئيس سعد الحريري، ولقاء السنة السياسي- الروحي الذي خلص إلى التأكيد على ألا مقاطعة سنية للإنتخابات النيابية المقبلة.
وقبل أن يغادر دار الفتوى حرص الرئيس ميشال عون على الثناء على الدور الذي تلعبه الطائفة السنية في الحفاظ على وحدة لبنان وتنوعه السياسي، وأهمية مشاركتها في الاستحقاقات التي ترسم مستقبل لبنان، قائلا: “إننا لا نؤيد أبدا مقاطعة هذه الطائفة الانتخابات”.
رئيس الجمهورية عرج على علاقات لبنان بالدول العربية، مشددا على إقامة أفضلها، ومؤكدا في الوقت نفسه أن “الأولوية تبقى الحفاظ على السلم الأهلي والإستقرار في البلاد”.
موقف مماثل سينقله وزير الخارجية عبدالله بو حبيب مساء اليوم إلى نظيره الكويتي الشيخ أحمد ناصر المحمد الصباح، وذلك ضمن الرد الرسمي اللبناني على الورقة الخليجية.
بو حبيب الذي يشارك في إجتماع وزراء الخارجية العرب قال قبل مغادرته لبنان إنه ذاهب إلى الكويت للحوار، مشيرا إلى أن “تنفيذ القرارين 1559 و1701 يأخذ وقتا”. وفي هذا الشأن كشف النقاب عن أن الرد اللبناني يقول باحترام كل قرارات الشرعية الدولية بما يضمن السلم الأهلي والإستقرار الوطني اللبناني، ويؤكد الرد أيضا الإلتزام بسياسة النأي بالنفس، ويشدد على تعزيز الإجراءات لمنع تهريب المخدرات إلى الدول الخليجية.
بجرعة مخففة من الصمت السياسي مقابل الانشغال الحكومي بالموازنة مر يوم السبت، ولكن لا شيئ سحب من دائرة التوقعات المفتوحة على المجهول، عكس المنخفض الجوي القطبي الذي ينسحب تدريجيا من الأجواء مفسحا المجال أمام الشمس لاستطلاع المنازل المحاصرة بالبرودة الطبيعية.
إلى الأجواء الانتخابية الملبدة تتسلل السخونة ببطء، متأثرة بترددات تعليق “تيار المستقبل” مشاركته في الاستحقاق المقرر في أيار المقبل، وسط إعلان رئيس الجمهورية اليوم من دار الفتوى رفضه مقاطعة الطائفة السنية للعمل السياسي، لما يمكن أن يتركه ذلك من تاثير على المجتمع اللبناني بصيغته الحالية.
في مجلس الوزراء، صيغ المواد الخاصة بسلفة الكهرباء الواردة في مشروع الموازنة تحتاج لكثير من الايضاحات، وفق ما طالب به اليوم عدد من الوزراء، وتاكيد منهم على ضرورة معرفة الأسباب الموجبة لهذه السلفة ودقة أرقامها، وكيف وأين ستصرف الخمسة الاف مليار ليرة المذكورة في المشروع لهذا الغرض، معطوفا على ذلك الخطوات التي يجب أن تساعد هذا القطاع المنهك على إصلاح نفسه، وتحسين تعرفته وجبايته بما لا يرهق الفقراء.
في اليمن، يجبي العدوان السعودي المزيد من الخيبات أمام إصرار أهل الأرض على انجاز التحرير وقطع يد الإجرام الممتدة الى بلدهم. وقبالة نجران الحدودية كانت مواقع استراتيجية في صحراء الاجاشر تسقط بيد قوات الجيش اليمني واللجان الشعبية، على وقع دوي الصواريخ البالستية في مواقع العدوان في محافظة شبوة.
وبخطوات تحفظ حقوق إيران النووية تسير مفاوضات فيينا التي تنتظر عودة الأطراف الغربيين يوم الاثنين بقرارات سياسية من حكوماتهم، بعد تسجيل درجة لا بأس بها من التقدم نحو عودة واشنطن الى الاتفاق النووي المبرم سابقا وفق الشروط الإيرانية.
إذا كان الحدث الدولي موزعا بين اوكرانيا، حيث مسرح الصدام المحتمل بين واشنطن وموسكو… وفيينا، حيث ساحة اللقاء الممكن بين الغرب وأميركا وطهران،… فالحدث الإقليمي تركز في الكويت من خلال بحث المقاربة اللبنانية للورقة الخليجية، وإمكانات التوصل الى حل يعيد وصل ما انقطع بين لبنان والسعودية ودول الخليج، مع الحفاظ على الوحدة الوطنية والسلم الأهلي.
أما الحدث المحلي فتمحور حول دار الفتوى التي زارها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون للقاء مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان.
الرئيس عون الذي أكد أهمية الدور الذي تلعبه الطائفة السنية في المحافظة على وحدة لبنان وتنوعه السياسي، اعتبر أن “دار الفتوى صمام أمان لجميع اللبنانيين”، متوقفا عند ثلاث نقاط:
النقطة الأولى، رفض خروج الطائفة السنية من العمل السياسي في ضوء الحديث عن مقاطعة، لأن خسارة لبنان مكونا كبيرا من مكوناته، تهدد المجتمع الذي تعودنا وتربينا عليه.
النقطة الثانية، غياب أي سبب لتأجيل الانتخابات وأهمية التعاون بين جميع الأطراف والمكونات للخروج من الأزمة الراهنة.
النقطة الثالثة، ضرورة إقامة أفضل العلاقات وامتنها مع الدول العربية، وأن تبقى الأولوية للمحافظة على الاستقرار في البلاد.
وعلى خط آخر، وفيما توالى درس الموازنة من دون تسجيل خروقات ايجابية على صعيد نقلها من الحيز الرقمي الذي يعكس الواقع الى حيز الرؤية الاقتصادية التي تحاكي المستقبل، ظل صدى إعلان رجل الأعمال بهاء الحريري خوض غمار السياسة اللبنانية والقدوم قرييا الى لبنان يتردد في الأصداء الانتخابية على مساحة الدوائر، حيث للناخب السني الكلمة الفصل بدءا بالدائرة الثانية للعاصمة بيروت، حيث سجل أول غيث تقديم أوراق الاعتماد الانتخابية، من خلال الغزل الواضح للنائب الجنبلاطي فيصل الصايغ ببهاء الحريري، وإسداء النصيحة لشقيقه سعد بالوقوف الى جانب أخيه لانقاذ لبنان، قبل أن يعود ويسحب التغريدة.
لبنان معلق بين ورقتين: الورقة الكويتية والورقة اللبنانية، علما أن الثانية هي بمثابة رد على الورقة الأولى. فكيف ستتلقى دول مجلس التعاون الخليجي الرد اللبناني؟، وقبل ذلك، هل الرد المذكور يقدم اجابات وافية عن ما طرحه الخليجيون والعرب؟.
التسريبات المتعلقة بالرد اللبناني توحي وكأنه اعتمد ما يعرف في عالم الديبلوماسية بالغموض الخلاق. ففي ما يتعلق بموضوع سلاح “حزب الله” مثلا، تذكر الورقة الرسمية أن مسألة حل سلاح الحزب ليست لبنانية بل اقليمية، وأن الدولة تحاذر أي خطوات في هذا الشأن حرصا منها على السلم الأهلي والاستقرار المحلي. فهل الموقف المذكور سيقنع الدول الخليجية والعربية والدول الغربية، أم أن الرد سيكون بفرض المزيد من التدابير العقابية ضد لبنان؟ الاجابة رهن الساعات المقبلة. علما أن مصر قد يكون لها دور توفيقي على هذا الصعيد، وهي تحاول أن تلعب دور الوسيط بين لبنان ودول الخليج.
توازيا برزت مشكلة تتعلق بكيفية دراسة لبنان الورقة الكويتية واتخاذ القرار بشأنها. فالدستور صريح وواضح، ويقول إن على الحكومة أن تتولى الرد على مثل هذه الورقة. فأين الحكومة مما حصل وهي لم تطلع لا على الورقة الكويتية ولا على الرد اللبناني؟. ووفق أي دستور او قانون حل رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة مكان الحكومة مجتمعة؟، والى متى ستواصل المنظومة الحاكمة انتهاك الدستور وضرب القوانين؟.
على صعيد آخر، لفتت اليوم الزيارة التي قام بها رئيس الجمهورية إلى دار الافتاء، حيث التقى مفتي الجمهورية اللبنانية. وقد أكد رئيس الجمهورية بعد الزيارة أن “أحدا لا يريد أن تقاطع الطائفة السنية الانتخابات، لأن لبنان يخسر عندها مكونا من مكوناته الكبار”.
الزيارة والموقف الرئاسيان يشكلان استكمالا لزيارة مفتي الجمهورية الى السراي الكبير، وإعلان الرئيس ميقاتي أن لا مقاطعة سنية للانتخابات النيابية، كذلك للموقف الذي أعلنه السيد بهاء الحريري من أنه سيواصل مسيرة والده، وأن أي فراغ لن يحصل على صعيد الطائفة السنية. فهل عودة بهاء الحريري الى قلب السياسية اللبنانية تحظى برعاية إقليمية وتحديدا سعودية، أم أن قراره جاء فرديا انطلاقا من اهتمامه بالشأن السياسي والوطني؟.
مهما يكن، الثابت أن حظوظ اجراء الانتخابات عادت الى الارتفاع، وأن ثمة كلمة سر عربية ودولية فحواها: الانتخابات يجب أن تجرى في موعدها، وأن لا مقاطعة سنية للانتخابات. لذلك ايها اللبنانيون، استعدوا للاستحقاق الكبير، وللتغيير الكبير. حاسبوا من أوصلكم الى الوضع الذي أنتم عليه، وأوعا ترجعو تنتخبون هني ذاتن.
من يربط عودة بهاء رفيق الحريري الى بيروت بذكرى اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ومن ينتظر رؤيته يصلي أمام الضريح في وسط العاصمة، يبدو أنه لا يعرف الشخص جيدا. فبهاء الحريري، يحفظ لنفسه ولفريقه اللصيق وحده تاريخ العودة التي يفترض أن تكون قريبة.
ذكرى الوالد يحفظها الابن بعيدا عن الأضواء، فهي العلاقة الخاصة التي لا يمكن أن تستغل او تزول، أما الأهم بالنسبة له، كيف تستكمل مسيرة الرئيس الشهيد، وبمن تستكمل، فلا يقتل رفيق الحريري مرتين.
على هذا الأساس، سيستهل بهاء الحريري العمل السياسي، قبل أشهر قليلة من الانتخابات، ليخلق لوائح انتخابية على مدى لبنان، قادرة على إعادة تكوين بلد متطور، حضاري، علاقاته جيدة مع العالم العربي والغرب.
العودة هذه، خلقت ارباكا، ليس فقط على ساحة المرشحين التقليديين السنة، إنما كذلك المرشحين على مساحة لبنان، الذين كانوا بدأوا البحث عن شروط التحالفات وحسابات الربح والخسارة، التي تفرضها قواعد القانون النسبي، بعيدا عن الحسابات السياسية الصرفة، من أجل الحصول على العدد الأكبر من النواب، كما أعلن الأمين العام لحزب الطاشناق اغوب بقرادونيان اليوم، بعد لقاء الوزير السابق الياس المر.
فتحت معركة تأليف اللوائح الانتخابية على مصراعيها، وهي حسابات تعرف قوى السلطة كيفية التعامل معها، فهل ستدرك قوى التغيير الحقيقية أهمية توحدها، لتضمن بعملية حسابية بيسطة حواصل تؤمن فتح باب مجلس النواب، فيرسم بذلك ليس صورة المجلس فقط، انما كذلك صورة رئيس الجمهورية في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وتاليا أي لبنان نريد.
هذا كله في وقت تتوجه الأنظار الى الكويت، حيث ينتظر رد فعل الدول المشاركة في اجتماع وزراء الخارجية العرب على الرد اللبناني المرتبط بورقة الشروط الكويتية.
وقد علمت الLBCI أن وزير الخارجية اللبناني عبد الله بو حبيب سلم الرد اللبناني الى نظيره الكويتي أحمد ناصر المحمد الصباح، وأن الأجواء ايجابية، كما أن بو حبيب سلم رسالة موجهة من رئيس الجمهورية الى أمير الكويت نواف الأحمد الجابر الصباح.