“أقسمت إسرائيل بأنها ستدمر حركة حماس، لكن الجماعة لا تزال وبشكل كبير سليمة”. هذا ما أكدته صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية في تقرير أعدته الصحافية لافدي موريس.
وتشير الصحيفة إلى أن “الجبهة الجديدة التي فتحتها إسرائيل في جنوب قطاع غزة، تأتي وسط فشلها في تحقيق هدفها العسكري المعلن: التدمير الكامل لحركة حماس المسلحة والتي تحكم قطاع غزة وقادت الهجوم على جنوب إسرائيل في 7 تشرين الأول/أكتوبر”.
ونقلت “واشنطن بوست” عن 3 مسؤولين أمنيين إسرائيليين زعمهم أن 5.000 مقاتل من “حماس” قتلوا على الأقل، بشكل يترك بقية المقاتلين والبالغ عددهم 30.000 مقاتل في وضع سليم. وقال المسؤولون، الذين طلبوا عدم الكشف عن هويتهم، إن العمليات في شمال غزة لم تكتمل بعد، ورغم تدمير معظم مدينة غزة إلا أن القوات الإسرائيلية لم تدخل معاقل الحركة هناك. وبحسب المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي العقيد ريتشارد هاتشيت “هذه ستكون عملية طويلة” و”نحتاج الوقت”، معترفا أن الساعة الدبلوماسية تدق.
وسيؤثر الضغط الدولي لتقليل الضحايا المدنيين على عمليات جيش الاحتلال الإسرائيلي في الجنوب، في وقت تحاول فيه “إسرائيل” الحفاظ على دعم حليفتها الرئيسية، الولايات المتحدة. وتشير صحيفة “واشنطن بوست” إلى أن الثمن كان مدمراً، حيث بلغ عدد الضحايا الفلسطينيين 16.000 بمن فيهم 5.000 طفل، حسب وزارة الصحة الفلسطينية في غزة. وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون “أعتقد أننا وصلنا لحظة تحتاج فيها إسرائيل تحديد هدفها النهائي”، وإن كان هذا “التدمير الكامل لحركة حماس، فالحرب ستستمر لعشرة أعوام”.
وتقول الصحيفة إن ثلث مناطق القطاع لا تزال خارجة عن سيطرة قوات الاحتلال الإسرائيلي، بما فيها المناطق المتوقع أنها محصنة جداً، كما يقول مايكل ميليستين، المسؤول السابق لدائرة الفلسطينيين في الاستخبارات العسكرية للاحتلال الإسرائيلي. وفي فترة التوقف القصيرة، ظهر مقاتلون ملثمون ومسلحون في الساحة المركزية للمدينة حيث قاموا بتسليم الأسرى، مما يؤشر لاستمرار وجود الحركة في ما كانت أكبر مدينة في القطاع.
وتجنبت القوات الإسرائيلية معاقل “حماس” المعروفة، مثل الشجاعية والتي شهدت أشد المعارك أثناء عملية الرصاص المصبوب في 2014، وربما تحصنت فيها “حماس” من أجل القتال. وقال ميليستين “ستكون صعبة جداَ”، مشيراً للمعركة المحتملة في المنطقة، وأضاف أن “حماس حضّرت نفسها وكل بناها التحتية هناك”.
وقال مايكل هوروفيتز، مدير شركة استشارات المخاطر “ليوبيك انترناشونال”: “قد تكون المعارك الدموية بانتظارنا، ولكن سيتم حشرهم وسيجبرون على القتال”. ويضيف أن “إسرائيل التي تقوم بدك الجنوب بغارات جوية مع ارتفاع متزايد للضحايا، ستجد صعوبة في تكرار ما فعلته بالشمال بسبب تزايد الضغط الدولي”. لكنه تابع “من المحتمل أن يكون هناك مقاومة متدنية الوتيرة في الأشهر المقبلة”.
وردد المسؤولون الأمنيون الإسرائيليون نفس التقييم “عملياتنا ستكون مختلفة تماماً لما قمنا به في مدينة غزة، لأن الجنوب مزدحم جداً”.
ويزعم المسؤولون الأمنيون مقتل 5.000 من مقاتلي “حماس”، وقال أحد هؤلاء المسؤولين الأمنيين “نعمل مع المخابرات ونحلل المعلومات ونفهم كم عدد الذين قتلوا وأين، لكن إحصاء قتلى حماس معقّد بسبب مقتل العديد منهم في الأنفاق. ويقوم التقدير الإسرائيلي في معظمه على التنصت على تقديرات حماس نفسها”. ولم تنشر “حماس” أرقاما عن شهدائها ورفضت التعليق على ما ورد في تقرير الصحيفة. وقال هوروفيتز “لدينا مصدر وحيد وهو الجيش الذي يهمه وبطرق عدة تكبير الأرقام”.
ولدى “حماس” قدرة قتالية ما بين 27.000 – 40.000 مقاتل، ويقول الخبراء إن لديها منفذاً سهلا على تجنيد المزيد. لكن الأعداد ليست مهمة للاحتلال الإسرائيلي بقدر ما هو مهتة “بقطع رأس الحركة وقتل قادتها مثل زعيم حماس في القطاع، يحيى السنوار الذي وصفه قادتها بأنه رجل ميت يمشي. وهم الأشخاص الذين يمثلون الرموز وهم من لديهم السلطة في القطاع” حسب إيال حالوطا، مدير “مجلس الأمن القومي” الذي يقول إن “هذا هو الهدف الرئيسي للعملية في الوقت الحالي، وفروا كلهم للجنوب وهذا واضح جداً”. وكرّس جيش الاحتلال قدرات استخباراتية وعناصر لتحديد مكان السنوار والزعيم العسكري محمد الضيف. وعلّق حالوطا “يمكن لهذه الحرب أن تغير أشكالها، وربما كانت على مستويات من الكثافة، وسنواصلها حتى نقتلهم”.
وإلى جانب المقاتلين وقادة “حماس”، هناك الأنفاق، التي يبلغ طولها مئات الأميال تحت غزة، وهي أهم رصيد عسكري للحركة وتسمح لها بنقل الأسلحة والمقاتلين بدون اكتشافهم. وقال هوروفيتز “واحد من الأهداف هو تحديد الأنفاق”. ويقدر المسؤولون العسكريون عدد فتحات الأنفاق التي اكتشفوها بـ800 منها 500 دمرت، ورفضوا التعليق على خطط لغمرها بمياه البحر. لكن من الصعب معرفة الأثر الذي تركته العملية الإسرائيلية على نظام الأنفاق بشكل عام و”لا نعرف عدد الفتحات لكل نفق” كما يقول هوروفيتز. وتقدر شركته أن ثلث أنفاق غزة لا تزال سليمة، مع أن بعضها صغير وبهدف تنفيذ هجوم إلا أن العشرات منها عميقة لعدة أمتار ومرتبطة بشبكة أكبر.
وهناك الصواريخ، فرغم شهرين من القتال القاسي، لا تزال “حماس” قادرة على إطلاق الصواريخ تجاه كيان الاحتلال، وتم إطلاق عدة رشقات منها يوم الثلاثاء باتجاه جنوب فلسطين المحتلة، وضرب واحد منها بناية سكنية في عسقلان. لكن صفارات الإنذار لا تسمع كثيراً في المدن البعيدة مثل تل أبيب، وانخفض عدد الصواريخ من الآلاف عما كان في الساعة الأولى من الحرب. ويعترض نظام القبة الحديدية معظم الصواريخ.
ويعلق هوروفيتز “كان هناك انخفاض حقيقي، والسؤال لماذا؟ فربما ضربت إسرائيل حماس بقوة وانخفضت ترسانة حماس من الصواريخ أو أنها خفضت من وتيرتها”.
وقدرت المخابرات الإسرائيلية قبل الحرب أن ما تملكه “حماس” والفصائل الأخرى هو 30.000 صاروخ تقريباً، وأطلق المسلحون منها 11.500 صاروخ باتجاه إسرائيل منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر. ويرى هوروفيتز أن من الصعب على قوات الاحتلال القضاء على ترسانة الصواريخ لأن معظمها ينتج محليا وتحتاج للبحث عن مصانع الصواريخ ووقف تدفق المواد. ويحتاج هذا لوقت طويل وأن يكون هناك يوم تطلق فيه “حماس” صفراً من الصواريخ باتجاه الأراضي المحتلة، وهذا يوم يصعب الوصول إليه.