| رندلى جبور |
وفق علم الاستراتيجيا، فإن الحروب قد لا تتوقف أحياناً، ليس لأن هناك أسباباً لاستمرارها، بل بسبب العجز عن إيقافها.
وهذا بالذات ما يحصل مع العدو الاسرائيلي اليوم، الذي يدرك تماماً أنه غير قادر على تحقيق إنجازات أو انتصارات في الحرب على غزة غير قتل المدنيين وتدمير المستشفيات والمدارس، وهو غير قادر على إيقافها لعجزه عن ذلك، في غياب نصر يقدّمه لناسه الذين يعيشون حالة رعب وغموض وغياب الأمان.
وهذا التخبط تجلّى بوضوح في الرسالة التي وجهها جيش العدو، لا إلى “حماس” أو “الجهاد” أو “المقاومة”، بل إلى حكومته هو، من خلال بيان رسمي أعلن فيه تعليق العمليات البرية قبل أن يعود ويسحب بيانه.
” إسرائيل”، المنقسمة على نفسها سياسياً، والمنقسمة بين السياسة والعسكر، وبين السياسة والناس، لم تحقق أي عائد استراتيجي بعد.. ولن تحقق. وهي في الوقت ذاته، غير راغبة، وغير قادرة على إعلان الهزيمة.
والهزيمة تتجلى بالتالي:
أولاً: خسارات عسكرية، لم تشهد مثلها من قبل، بلغت مئات العسكريين والآليات وتعطيل التكنولوجيات، ما اضطرها للجوء إلى الاحتياط، وهذا في العسكر قاتل، لأنها إذا خسرت بنخبة جيشها الجاهز والمدرب، فكيف ستربح بمن استدعتهم من خارج ملاك المؤسسة؟
ثانياً: مواجهة، لا مقاومة فلسطينية في غزة وحسب، بل محور كامل متكامل، لديه خصوصياته على صعيد الدول، ولكنه أيضاً يملك خطة مشتركة للمواجهة الشاملة، وإن لم يحن موعدها بعد. وصواريخ اليمن شاهدة، وإشغال الجبهة اللبنانية كذلك، بالإضافة الى استهداف المقاومة العراقية للقواعد الأميركية.
ثالثاً: خسارة العدو التراكمية، بناء على تراكم إنجازات المقاومة منذ العام 2000 وكل ما تلا، وهو ما يجعل جيل حربها الآن جيلاً مرهقاً ويائساً، بخلاف الأجيال الاولى.
رابعاً: فشل الدعاية الاسرائيلية في كسب الرأي العام العالمي الذي يصطف أكثر فأكثر خلف الحق والمظلوم والمعتدى عليه.
خامساً: مواجهة “إسرائيل” لقواعد اشتباك جديدة مبنية على المدى بالمدى، ومستوى النار بمستوى النار، والمدني بالمدني، وهو ما لم يكن قائماً قبل سنوات.
سادساً: الخوف من حرب الأنفاق لأنها حرب تحتّم دخولاً مباشراً إليها، وهي تتذكر جيداً ما أصاب الأميركيين في حرب فييتنام، والذين عادوا وفضّلوا إعلان الهزيمة على كلفة تلك الحرب الباهظة الكلفة.
سابعاً: نجاح سلاح المقاطعة، حتى بات كثيرون من المتسوّقين يتفحصون الـ”باركود” الخاص بالبضائع للتأكد من أنها لم تصنع في “إسرائيل”.
أخيراً، حتى ولو كنا إنسانياً نتألم لسقوط المدنيين في غزة، إلا أنه لا يمكننا في التحليل إلا أن نقرأ هذه التحولات الكبرى التي لا تصيب “إسرائيل” وحدها، بل كل العالم الداعم لها.