حكومة مجلس الوزراء
تصوير عباس سلمان

كالعادة.. لا خطة طوارئ حكومية: مواطن “دبّر راسك”!

/ فؤاد بزي /

مع كلّ أزمة تلوح في الأفق، تعود خطط الطوارئ الفردية للظهور في لبنان، في غياب تام للسلطة السياسية عن أيّ استجابة، سواء للكوارث الطبيعية أو للحروب. الهيئات الحكومية الخاصة بالإغاثة كثيرة، لكنّها – على شاكلة الهيئة العليا للإغاثة – لا تظهر إلا في إطار مشاريع زبائنية أو لتقديم الوعود. لذلك، اعتاد اللبنانيون خدمة أنفسهم بأنفسهم، واللجوء عند الشعور بأيّ خطر داهم إلى خطط خاصة مستقاة من تجارب تخطّى عمرها عشرات السنين. تموين المواد الغذائية الأساسية من حبوب وزيت وسكر يأتي على رأس القائمة، ومن يتيسّر له الرحيل يغادر المناطق المهدّدة بالقصف نحو مناطق أكثر أمناً، إذ لم تضع الدولة خطةً واحدةً لبناء ملاجئ محصّنة في قرى المواجهة. ومع هذه التحركات العشوائية، تبدأ الاحتكارات بالظهور، فترتفع إيجارات المنازل في النقاط البعيدة عن المواجهة، ويلجأ بعض التجار إلى إخفاء البضائع ورفع الأسعار.

التصرفات الفردية حكمت المشهد في الأيام القليلة، إذ لا خطط رسمية للتعامل مع حالات الحرب أو التهديد بها سوى ما يقوم به البعض من تحضير حقائب الطوارئ التي تحتوي أهم الأوراق الرسمية، وشراء الأطعمة القابلة للحفظ بالمفرق، وتأمين بيوت آمنة في مناطق «باردة» عسكرياً عن الأماكن المتوقع أن يطالها القصف. والأمر الأخير، مثلاً، ساهم في مضاعفة الإيجارات خلال يومين فقط في المناطق الجبلية القريبة من بيروت، فارتفع إيجار الغرفة الواحدة من 150 دولاراً إلى 300 دولار.

خلال الأزمات، يتعمق في وعي الناس غياب الدولة التي لا تجد نفسها معنيّة بوضع خطط الاستجابة الوطنية. منذ تأسيس الكيان الغاصب عام 1948، مرّت على لبنان 6 حروب مع العدو الإسرائيلي، آخرها عام 2006، وبينها عشرات الجولات والاجتياحات المحدودة للقرى والمدن، واعتداءات شبه يومية على المدنيين. ورغم هذا المشهد، ودموية العدو ووحشيته، وتهديده المستمر منذ 75 سنة، إلا أنّه لا بنية تحتية لحالات الطوارئ في لبنان، فالملاجئ مثلاً غائبة بشكل تام عن القرى الحدودية، كما بيروت.

أهل الجنوب اعتادوا غياب الدولة تماماً عنهم، فالقرى الحدودية المتاخمة لخطوط النار من دون ملاجئ، باستثناء مبادرات فردية لسكان بنوا بيوتهم في سبعينيات القرن الماضي وأضافوا ملاجئ تحتها. إلا أنّ هذه المنشآت «أصبحت قديمة، ولا تقي سوى من القصف المدفعي الخفيف»، بحسب أحمد دباجة الذي بنى ملجأ في منزله في بنت جبيل.

«الصمود في القرى الحدودية قائم على المعنويات فقط»، بحسب رئيس بلدية عيتا الشعب محمد سرور.

البلدة التي نالت أكبر حصة من التدمير خلال حرب تموز 2006، «لا ملاجئ فيها»، وقد «نالت حصة من قصف العدو في الأيام الماضية أدّى إلى تدمير ألواح الطاقة الشمسية في عدد من المنازل». الراحلون إلى بيروت، يقسّمهم سرور إلى فئات، تصدّرهم من يملكون منازل في العاصمة، والخائفون على أطفالهم، وأصحاب الأمراض المستعصية الذين يخشون انقطاع الأدوية أو الخدمات الطبية. فيما وصف رئيس بلدية تبنين نبيل فواز الوضع في القرى الحدودية بأنه «رمادي». فعلاً، «هناك ناس غادروا القرية التي كانت الحركة فيها خلال اليومين الماضيين خفيفة بسبب إقفال الدوائر الحكومية والمدارس بقرار من وزارة التربية، لكن الأعداد ليست ضخمة»، ويمكن وصفها بـ«الروتينية، مع زحمة بسيطة على محطات الوقود».

للأمن الغذائي، أيضاً، خطط صمود فردية. ففي عدد من التعاونيات التي استطلعتها «الأخبار»، كانت حركة البيع لافتة لبعض المواد الغذائية. وأوضح مدير التعاونية العاملية يوسف حمود أن «تركيز الزبائن في الأيام القليلة الماضية كان على شراء المعلبات بشكل أساسي، ولوازم الأطفال من حفاضات وحليب، من دون هلع هستيري»، فيما تراجع الطلب بشكل كبير على الأدوات المنزلية والكهربائية. وهو ما أكده أيضاً الرئيس التنفيذي لتعاونيات لبنان وضاح شحادة، مشيراً إلى أنه كان للسكر والحبوب والزيت حصة الأسد من حركة الشراء، إضافة إلى الخبز، نافياً تسجيل أيّ تهافت أو زحمة في نقاط البيع. فيما طمأن نقيب مستوردي المواد الغذائية هاني بحصلي إلى «وجود كميات كبيرة في لبنان، ولا خشية من انقطاع المواد الغذائية، كما أنّ خط الاستيراد مفتوح بحراً وجواً»، ورأى أن «لا داعي للتموين، ولكن لا يمكن منع الناس من أخذ الاحتياطات». فيما قال حمود إن «مخزون تعاونيات لبنان وحدها كافٍ لحوالي ستين يوماً من دون حاجة إلى المورّدين».