| زينة أرزوني |
لماذا تخلّت أميركا عن رياض سلامة؟
كان الحاكم السابق لمصرف لبنان، رجل الولايات المتحدة الأميركية الأول في لبنان، وعين واشنطن الساهرة على القطاع المصرفي اللبناني، وحركة الأموال، ويدها الطولى في الهندسات المالية التي تسببت بانهيار الاقتصاد.
كانت السفارة الأميركية تتدخل لحمايته، عبر تهديدات كانت تنقلها السفيرة دورثي شيا، ومَن سبقها من السفراء، إلى مسؤولين رسميين في حال فكروا المساس به، أو جعله “كبش محرقة” لهم. كانت تُسِرّ لهم، في اللقاءات المغلقة، أن الإدارة الأميركية على علم بالعمليات المالية التي يقومون بها مع سلامة، كاشفة أمامهم أن وزارتَي الخارجية والخزانة في أميركا استعانتا بفرق تحقيق خاصة تعمل في إطار التدقيق الجنائي، وطلبت منها العمل في أكثر من سبع دول عربية وأوروبية، من أجل التثبّت من العمليات المالية لعدد غير قليل من الشخصيات اللبنانية، السياسية والأمنية والمصرفية ومن طبقة رجال الأعمال المقرّبين من مرجعيات نافذة في الحكم.
لماذا استخدمت واشنطن العقوبات بحق سلامة، وفرضتها عليه، إلى جانب بريطانيا وكندا؟
بعد انتهاء ولايته، وخروجه من مصرف لبنان، يكون سلامة قد “أدى قسطه” للإدارة الأميركية وانتهت مهمته التي أوكلت إليه طوال فترة الثلاثين عاماً، ومن الواضح أنه تحوّل إلى عبء على واشنطن، فأرادت إسقاط ورقته نهائياً بعدما احترقت في سوق المال المحلي والعالمي، وقررت إطلاق رصاصة الرحمة عليه، ومعاقبته، بفرض العقوبات، ليكون عبرة لكل من تعاون معها من الآخرين في لبنان، فواشنطن تلوح دائماً بفرض العقوبات ضد من لا يمتثل إلى أوامرها، وقد هزّت هذه العصا مؤخراً بوجه من يعرقل انتخاب رئيس الجمهورية في لبنان.
العقوبات التي فرضتها وزارة الخزانة الأميركية بسبب أفعال سلامة الفاسدة وغير القانونية، وإساءة استغلال منصبه في السلطة لإثراء نفسه وشركائه، من خلال تحويل مئات الملايين من الدولارات عبر شركات وهمية للاستثمار في العقارات الأوروبية، تتقاطع مع الاتهامات التي يوجهها القضاء الأوروبي بحقّه، بعدما كان الموقف الأميركي لأيام خلت يتمايز عن الموقف الأوروبي.
كان سلامة قد حصل في وقت سابق على درجة A من مجلة Global Finance التي تتخذ من نيويورك مقراً لها في تصنيفاتها السنوية، وكان اسماً مألوفاً في “وول ستريت” وفي العواصم الأجنبية، ويتمتع بثقة كبيرة في المجتمع المالي الدولي. ومع قرار فرض العقوبات، يكون سلامة قد جُرّد من هذه الألقاب، بموجب قرار الخزانة الأميركية سيتم حظر جميع الممتلكات والمصالح التابعة له في الولايات المتحدة، أو تلك التي في حوزة أو سيطرة أشخاص أميركيين.
وأوضحت وزارة الخزانة الأميركية أن هذه العقوبات “لا تشمل مصرف لبنان أو علاقة البنك المراسل في الولايات المتحدة مع مصرف لبنان. كما لا ينبغي اعتبار مصرف لبنان ولا أصوله، محظورة”.
هل ستكتفي أميركا بفرض عقوبات على سلامة؟ أم أنها ستواصل على هذا النهج، وتلوّح بعقوبات جديدة ضد شخصيات سياسية نافذة في لبنان كانت لها علاقة بالهندسات التي طبّقها سلامة؟
والسؤال الأبرز هنا: هل سيقف سلامة مكتوف الأيدي تجاه هذه العقوبات؟ أم أنه سيعتمد مبدأ “عليّ وعلى أعدائي”، ويقلب الطاولة بوجه الجميع في لحظة يشعر فيها أنه بات مستهدفاً امنياً، أو أنه سيتحمل العواقب لوحده، فيقرر في “لحظة تخلي” الكشف عن الملفات التي بحوزته، والتي خبأها على “فلاش ميموري” وبنسخ عدة باتت موجودة في مكان ما آمن من هذا العالم، ويمكن استخدام معلوماتها كلياً أو جزئياً عند الضرورة، إذا تبيّن فعلاً أن هناك من يريد كبش محرقة يفتدي جميع المتورطين بشبهات بالمليارات.
بحسب كلام سلامة في أكثر من جلسة، يكشف أن لديه backup عن كل المعلومات المصرفية، والفساد، وتبيض الأموال، والتهرب الضريبي، واستخدام النفوذ، والصفقات، والعمولات، وكل الموبقات التي ارتكبتها هذه الطبقة السياسية، وأنه لديه نسخة احتياطية لحوالي 30 أو 40 عملية غير قانونية تخصّ أغلب الشخصيات السياسية.
يبدو أن سلامة قد بات في زاوية صعبة جداً، وهو كان وجه أكثر من تهديد مبطّن إلى السياسيين اللبنانيين المتورّطين بملفات فساد بأنه لن يسقط وحده، وأنه في “لحظة ما” سيبوح بما لديه ويفجر اللغم في وجه الجميع على قاعدة “عليّ وعلى أعدائي.. وشركائي”.
للانضمام إلى مجموعة “الجريدة” على “واتساب”، إضغط على الرابط.