“خميس الغضب”: إنذار للحكومة.. وإلّا..!

/ إيناس القشّاط /

لم تنته الهاوية بعد بالنسبة للبنانيين، فما زالت الانحدارات تتوالى واحدة تلو الأخرى، في ظل الحكومة التي تشكلت لحلحلة الأزمات المعيشية والاقتصادية.

فالحالة “التقشفية” التي يعيشها الشعب اللبناني، في ظل موجات الغلاء التي هي اقرب الى “تسونامي”، لم تمنعه من المطالبة بحقوقه، والانتفاض في وجه السلطة التي لا تزال غائبة عن اوجاعهم. فرفع الدعم الكلي عن المواد الأساسية دون إيجاد خطة بديلة، أدى لـ”الإنفجار”.

لم يكفِ الدولار وجنونه بضرب اللبنانيين، فأزمة البنزين والمحروقات، بالإضافة الى كورونا، تآمروا على اللبنانيين.

وبما ان الحكومة معطّلة، فمن الطبيعي ان تكون عاجزة عن معالجة المطالب والحلول بحجج معروفة. ومن الطبيعي بعد كل هذه المشاكل، ان تتأثر القطاعات بكافة أنواعها، وربما قطاع النقل من اكثر القطاعات التي تنعكس عليها تلك الأزمات.

يعيش سائقو قطاع النقل أصعب مراحلهم، خصوصا بعد رفع الدعم عن المحروقات وبلوغ سعر الصفيحة 375 ألف ليرة، وهو سعر مرشح للارتفاع أكثر، لا سيما مع إصدار جدول تركيب أسعار يومياً لتحديد ثمن الصفيحة، انسجاماً مع سعر صرف الدولار في السوق الموازية.

يقول المثل الشعبي “الضغط يولد الانفجار”، وهذا ينطبق على حياة اللبنانيين. هو مثل بسيط ، إلا أن إسقاطه على الواقع اللبناني يترجمه بوضوح.

كثرة الضغط على الشعب، وعدم إعطائه مساحة حرية، والتضييق الاقتصادي عليه، يمكن أن يولدوا انفجاراً غير متوقع. وربما كان “يوم الغضب” أحد ترجمات هذا الانفجار، بدعوة من  الاتحاد العمالي العام وبالتضامن مع معظم الاتحادات والقطاعات والنقابات في لبنان، من تجمع المزارعين ونقابة الشاحنات العمومية في مرفأ بيروت ونقابات الفانات في المدارس ونقابة المعلمين في المدارس الخاصة وغيرهم…

بدأت التحركات منذ ليل أمس، حيث شهدت العديد من المناطق اللبنانية احتجاجات وقطع للطرقات بالاطارات المشتعلة، بالاضافة الى اشتباكات بين المحتجين والقوى الأمنية في محيط مصرف لبنان.

شكل هذا الإضراب، من الشمال إلى الجنوب والبقاع، أول حركة احتجاجية واسعة بمواجهة حكومة ميقاتي، وقد وصفه رئيس الإتحاد العمالي العام بشارة الأسمر بالغضب “الناجح”، حيث تضامنت القطاعات، وتم إقفال الطرقات الرئيسية والفرعية في مختلف المناطق اللبنانية، كما أغلقت المدراس والجامعات أبوابها.

وخصص هذا التحرك للردّ على نكث رئيس الحكومة ووزرائه بوعودهم بالبدء بتنفيذ التعهدات التي أطلقوها قبل نحو شهرين. فالوعود التي تلقاها رئيس الاتحاد بسام طليس من حكومة ميقاتي، ما زالت حبراً على ورق بينما يستمر تفاقم الوضع المعيشي.

وفي الواقع، يعطي هذا الإضراب مؤشراً ان الاحتقان الشعبي بلغ ذروته، وان الشعب اللبناني لم يعد بيده حيلة، غير المطالبة والمواجهة.

يرسل “خميس الغضب” للمعنيين والسلطة، رسالة بأن الشعب اللبناني قد نفذ صبره، وأن الانفجار الشعبي آتٍ لا محالة، وهذا ما أشار إليه طليس بأن “اليوم هو يوم بداية غضب السائقين العموميين، وككرة الثلج سوف تتدحرج على كل من قهر الشعب اللبناني”.

المطالب أنتجت “خميس الغضب”، الذي سيترك تأثيره المباشر على أي اجراء ستتخذه الحكومة، تخوفاً من غضب “بلا دعوة”.

قد يكون هناك من حاول إعطاء هذا التحرك أهدافاً سياسية، إلا أن “الرسائل الخارجة منه، عطلت مفاعيل الأبعاد السياسية للتحرك”. وقد شدد طليس على ان “التحرّك موجه ضد الحكومة التي لم تفِ بوعودها بدعم قطاع النقل البري وقمع المخالفات، ولا علاقة لنا بالسياسة وبأسباب عدم اجتماع الحكومة”.

الغضب مستمر، ووجع الشعب اللبناني لا شفاء منه سوى بحلول جذرية من سلطة عليها أن تدرك حجم الكارثة.

الا ان الواضح حاليا أن رسائل الإنذار التي توجه للسلطة، تشي بأن الشارع اللبناني قريب من “الانفجار”.

وفي ظل غياب القرار السياسي للتعاطي المسؤول مع الأزمات، وعدم وضع خطة إنقاذ وتعافٍ، والاستمرار في زيادة حجم الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية بشكل غير مسبوق وبلا ضوابط، فلا بد من معجزة لانتشال لبنان من دوامة الانهيار.  أي أن على السلطة ان تبادر سريعا لإتخاذ إجراءات تلجم الانهيار، وتنصف اللبنانيين، وتفرمل الانحدار الحاصل على كل المستويات.