حزب الله معارضة قوات تقاطع نواب
تصوير عباس سلمان

صيف التقاطع.. و”مثلّجات” الفراغ!

| جورج علم |

ذهب “التقاطع” نحو منتجعات الصيف، في عطلة مفتوحة، يأخذ قسطاً من الراحة، بعدما أدركه التعب باكراً، أعطى ما عنده في 14 حزيران الماضي، فاز بـ 59 صوتاً، ورفع إشارات النصر، ونقر الدّف، وتفرّق العشّاق، على أمل التواصل، والتلاقي إذا ما دعت الضرورة.

لم يكن بالإمكان أفضل ممّا كان. لقد أثبت أنه ديمقراطي حتى العظم. مجموعات من الأحزاب، والتيارات، والكتل، متعددة الشعارات، هذا سيادي، وذاك تغييري، وثالث ميثاقي، ورابع حيادي، وخامس تجدّدي… وتطول السبحة، حتى بات التفاهم ما بينهم على إسم مرشح أشبه بمعجزة لا يحققّها إلاّ المتفانون في سبيل لبنان الـ”كل من إيدو إلو”.

ماذا بعد التقاطع على الإسم؟ وبعد الـ59 صوتاً؟ وبعد رفع الجلسة إلى أجل غير محدد؟

البعض يراهن على الصمود والإصرار على إنجاز الإستحقاق الرئاسي وفق المعادلة المتبعة بعد الطائف. وإذا كان من حق المكوّن الشيعي أن يقول: “نبيه برّي لرئاسة المجلس النيابي، ونقطة عالسطر”، والمكوّن السني: “فلان هو المرشح لرئاسة الحكومة، ونقطة عالسطر”. فلماذا لا يحقّ لغالبيّة المكون المسيحي ما يحقّ للآخرين في الإختيار؟!

الجواب بسيط: لو كان الرئيس من الطائفة الشيعيّة، لكان تمّ إنتخابه منذ الدقائق الأولى، في الجلسة الأولى… ونقطة عالسطر، وعلى قاعدة: “الحق للقوّة يا سيدي… لا للدستور”!

البعض الآخر يراهن على المتغيرات في الخليج، والشرق الأوسط. إن عامل الوقت، من منظاره مهمّ، وتوحي المؤشرات بأن المملكة العربيّة السعوديّة مرشّحة لأن تكون المحور، وصاحبة رأي، ودور ونفوذ، وهذا يعني بالنسبة للبنان، الطائف حتماً، ولا شيء سوى الطائف، مع بعض التوضيح والتعديل في بعض النصوص التي يكتنفها غموض، أو تخضع لتفسيرات واجتهادات تعيق عمليّة التطبيق. أما الكلام عن مؤتمر تأسيسي، أو “مثالثة” على حساب المناصفة، أو نظام رئاسي وفق إطار فدرالي، فهذا غير وارد في حسابات بعض دول اللقاء الخماسي، والحجة عنده أن جغرافيّة لبنان، ومجتمعه التعددي، وتركيبته الطوائفيّة، لا تسمح باعتماد مشاريع تحتوي على جينات تفتيتيّة.

البعض الثالث يراهن على أيلول. أيلول هذا العام، منعطف مصيري، فإما غاز ونفط في الحقل رقم 9، وبكميّات هائلة، بمواصفات عالية، وعندها ستهّب كل الدول الكبرى، النافذة والمؤثرة، إلى وقف المعاناة، وانتخاب رئيس، وتشكيل فريق عمل وزاري بمواصفات الإصلاحات المطلوبة، ووضع البلد على سكّة النهوض، والتعافي… وإلاّ لا نفط ولا غاز بالمواصفات التجاريّة، وعندها سيكون حديث آخر.

يبقى أن التحليل، والإجتهاد لا يسدّ الفراغات العميقة بين المتقاطعين، ولا يشكّل قاعدة صلبة لمدّ أيّ تفاهم بالمقويات لتجعله خياراً حتميّاً ناجزاً.

الفراغ الأول، أن ليس هناك من استراتيجيّة واحدة يلتقي حولها كل المتقاطعين، توحّد صفوفهم. تنمّي قدراتهم. تفعّل طاقاتهم وإمكاناتهم. بل مجرد “شغل ع القطعة”، وتلاقي مصالح حول خيار أعزل مفصول عن الواقع الصعب، والمعقّد.

الفراغ الثاني يتمثل في التعاطي مع الإستحقاق الرئاسي من موقع الغلبة. كل طرف يريد مرشّحه لتسجيل إنتصار على الطرف الآخر، في حين أن المقاربة من قبل “التقاطع” كان يفترض أن تكون مختلفة في بلد يعاني من استفحال الأزمات، وانهيار المؤسسات. مقاربة أشبه ما تكون بخريطة طريق إنقاذيّة، تُدرس وتُنسّق مع الخماسي العربي ـ الدولي، وتأخذ بعين الإعتبار الإصلاحات الضروريّة، والتي يطالب بها المجتمع الدولي، وصندوق النقد. مقاربة متكاملة المواصفات تضمّ فريق عمل متجانس: رئيس للجمهوريّة، رئيس للحكومة، ووزراء من الشباب الكفوء النظيف، القادر على وضع القول موضع الفعل.

لماذا ترك المتقاطعون المبادرة لفرنسا التي توافقت بالتنسيق والتشاور مع “حزب الله”، وحركة “أمل” على معادلة سليمان فرنجيّة ـ نوّاف سلام؟ لماذا لم يبادروا ويكونوا السبّاقين في التعاطي مع الاستحقاق الرئاسي كمنعطف مصيري في تاريخ لبنان، يقف فيه البلد أمام خيارين: إما استقرار وازدهار وتنوّع وانفتاح. وإما سلاح واستنفار ومهمّات خارج الدار!

الفراغ الثالث يتمثّل بالإستدراج. لقد نجح الثنائي في استدراج المتقاطعين إلى الفراغ. دعاهم الرئيس نبيه برّي إلى الحوار تحت قبّة المجلس النيابي، فرفضت الدعوة. الآن يدعوهم “حزب الله” إلى الحوار للإفراج عن الإستحقاق الرئاسي، إلاّ أن دعوته قد رفضت حتى قبل أن يعلنها. قد يكون المتقاطعون على حق في الرفض، لكن السؤال: ما البديل؟ وماذا غير الرفض؟ وما هي الخطوة التي ستلي؟ رئيس حزب “الكتائب” سامي الجميل يحذّر من الرهان على الفراغ. لكن ما العمل؟ ما هي الخطوة البديلة؟ بعض قادة “حزب الله” يعلنون، وبنبرة عالية، أنه يراهن على عامل الوقت لإنجاز الإستحقاق. سنة.. سنتان.. ثلاث… لا يضيره الفراغ في القصر الجمهوري. وربما لا مصلحة له في انتخاب رئيس ليتمكن من الإستمرار في تنفيذ مشروعه حول لبنان الذي يريد!

وهنا يبرز السؤال: هل يريد الثنائي، و”حزب الله” تحديداً، إنتخاب رئيس؟ وهل ما يريده يصبّ لصالح لبنان الذي نعرفه، أم للبنان آخر قد هندس هندامه، ووضع اللمسات الأخيرة على خريطته، ويعمل حاليّاً على وضعها موضع التنفيذ، مستفيدا من الفراغ؟

رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد يؤكد في حفل تأبيني في بلدة قناريت: “إن حزب الله ملتزم بإتفاق الطائف، ولا ندعو إلى صيغة سياسيّة جديدة.. وحاجي تشوشوا حالكن، وتشوشوا العالم، وتكذبوا عليها. وتحرضوها ضدنا”… إذن، فلينتخب رئيس وفق الطائف!