“فتنة بشري”: بانتظار رواية الجيش

في بلدٍ يعيش على “كف عفريت”، يتحوّل خلافٌ تاريخي على أحقيّة المياه وملكيّة العقارات إلى أزمةٍ سياسيّة – طائفيّة تكاد تجرّ البلد بأكمله إلى الفتنة الكبرى، ويُستنفر كثيرون لتصفية حسابات سياسية، وتأجيج الدعوات إلى الفدرلة والتقسيم تحت عنوان أن “طرفاً واحداً” قادر على “القتل بحرفية”، فيما بقية الأطراف دعاة سلام أين منهم الأم تيريزا. وكأن لا معسكرات تدريب في جرود بشري وفي غيرها من الجرود، بحسب “الاخبار”.

واشارت الصحيفة الى انه وقبل جلاء ملابسات مقتل ابن بشري هيثم طوق، ومن ثم مالك طوق، في منطقة القرنة السوداء السبت الماضي، بدأت عمليّات التحريض على مواقع التواصل الاجتماعي. ورغم أنّ الشابين مقرّبان من النائب ويليام طوق وليس من حزب القوات اللبنانية، لعب الأخير دوراً تحريضياً وشارك المنتمون إلى صفوفه، مدجّجين بالأسلحة المتوسطة، في “الفزعة” لـ”اجتياح” قرى الضنيّة والاشتباك مع الجيش. علماً أنّ هناك تاريخاً من الإشكالات الدمويّة بين منطقتَي بقاعصفرين وبشري تمتدّ إلى أكثر من 30 عاماً، وخلّفت في أكثر من مرة قتلى وجرحى بسبب الخلاف على ملكية القرنة السوداء، إلى حد تدخل المسؤولين السوريين لرعاية مصالحة بين المنطقتين عام 2001. وفي 11 الشهر الماضي، أطلقت مجموعة كبيرة من المسلحين من أبناء بشري القواتيين النار على رعيان في المنطقة، وأعدموا عدداً من مواشيهم، وطلبوا منهم الابتعاد عن المنطقة.

حتى الآن، تعدّدت الروايات حول ما حدث السبت، فيما لا تزال الرواية الرسمية تنتظر انتهاء التحقيقات. فور مقتل هيثم طوق أولاً، راجت شائعات بأنه أصيب برصاصة قناص من مسافة 800 متر. غير أن الأجهزة الأمنية استبعدت هذه الفرضية تماماً. ولفتت مصادر عسكرية إلى أن طبيبين شرعيين كشفا على الجثة، وأكدا أن طوق أصيب برصاصة اخترقت كتفه من الخلف وكسرت أضلاعه قبل أن تخرج من الجهة الأخرى، ما ينفي نظرية القنص عن بعد، وإلا كانت الرصاصة استقرّت داخل جسده. لذلك، ترجّح الأجهزة الأمنية فرضية إطلاق النار من مسافة قريبة، أضف إلى ذلك أنه تم العثور في مكان الحادثة على مظاريف فارغة، ما يرجّح وقوع اشتباك بين طرفين.

كذلك لم تتضح بعد ملابسات مقتل مالك طوق، غير أن الترجيحات تشير إلى احتمال سقوطه في اشتباك مع عناصر من الجيش حاولوا منع مسلحين من أبناء بشري التوجه إلى منطقة الضنية للانتقام لمقتل هيثم طوق. وتقول روايات شهود إن ستة جرحى آخرين سقطوا في الاشتباك، فيما تنفي مصادر أمنيّة أن تكون التحقيقات قد جزمت بأن طوق توفي برصاص الجيش.

وبحسب المعلومات، فقد بلغ عدد الموقوفين حتى مساء أمس نحو 30 من بشري ومن الضنية، من بينهم نائب رئيس بلدية بقاعصفرين وعدد من ضباط الجيش.

ومنذ أكثر من 30 عاماً تتكرر الإشكالات بين أبناء المنطقتين مع اقتراب الصيف وجفاف المياه، على خلفيّة قطع أهالي بشري “قساطل” المياه الممتدة إلى الأراضي التي يمتلكها أهالي بلدة بقاعصفرين في الضنيّة. وفيما حالت التدخّلات السياسية دون وصول الطرفين إلى قرار قضائي يُنهي أزمة ملكيّة العقارات، قرّر أهالي الضنيّة معالجة مشكلتهم بإنشاء بركة مياه لجهة منطقة العطّارة، إلا أنّ الأزمة الاقتصاديّة أوقفت المشروع.

وتجدّد الخلاف في 4 حزيران الماضي عندما قطع أهالي بشري المياه عن بقاعصفرين، قبل أن يتدخّل الجيش ويُصدر بياناً بعد أيّام يدعو فيه الأهالي إلى عدم الاقتراب من المنطقة بذريعة وجود “منطقة تدريب عسكرية في القرنة السوداء”. وتشدّد مصادر أمنية على أن هدف البيان الذي صدر في 12 حزيران الماضي هو للجم الاحتكاكات بين أبناء المنطقتين ولمنع الإشكالات المتكررة، ولكن فعلياً لا مركز تدريبات للجيش في المكان.

وفي انتظار الرواية الرسمية، تؤكد فاعليات الضنيّة أن أهالي المنطقة ليسوا وحدهم موجودين في هذه المساحات الشاسعة التي يقصدها رعاة الماشية من أكثر من منطقة، إضافة إلى تواجد الكثير من البدو وأبناء العشائر العربيّة. وتشير إلى أن الكثير منهم يحملون أسلحة خفيفة بسبب تكرار عمليات الاعتداء عليهم، وأنه لا يمكن لأي تحقيق كشف ملابسات الحادثة تماماً، خصوصاً أنّ المساحات شاسعة ولا رقابة أمنية ولا وجود لكاميرات أصلاً. غير أن ذلك لا يعفي قيادة الجيش من كشف حقيقة ما حدث، كما لا يعفي كل الأطراف السياسية في المنطقة من التوصل إلى حل ينهي “الخلافات الحدودية” بين المنطقتين بما يحول دون تكرّر الإشكالات.

اتصالات للجم الفتنة

وقد تسارعت الاتصالات بعد الحادث لعدم الانجرار نحو فتنة إسلامية – مسيحيّة. وتلقّى قائد الجيش العماد جوزيف عون اتصالات من فاعليات المنطقتين، وأبرزها النائبان فيصل كرامي وستريدا جعجع لتطويق ذيول الحادثة. كما تلقّى كرامي اتصالاً من رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي دعا إلى “الحكمة في التعامل مع الحادثة”.