/ رندلى جبور /
من يعملون في السياسة ويتبوّأون كراسي الصف الأول، نوعان: أصحاب الخيارات، وجماعة الرهانات.
وإذا كان أصحاب الخيارات يصيبون في رؤاهم ـ في العادة ـ لأنهم من حَمَلَة القضايا، إلا أن جماعة الرهانات يخيبون، لأنهم إما تابعون، وإما يقرأون في الفنجان لا في السياسة ويقبضون ثمن ذلك، مع علمهم أنهم سيُتركون وحيدين في نهاية الرحلة.
ومن أبرز الأمثلة على جماعة الرهانات: سمير جعجع. هو لم يصب يوماً في توقّع سياسي، ولم ينجح في أي موقف يقدّمه.
راهن على التقسيم، و”المنطقة الشرقية” والحدود الجغرافية الضيقة الممتدة من كفرشيما إلى المدفون في ثمانينات القرن الماضي، فكانت أن توحّدت المؤسسة العسكرية، ثم الدولة، وعُدنا إلى لبنان الكبير.
ثم راهن على “الطائف”، ومخترعيه، وعرّابيه، على الرغم من “لا سيادية” الاتفاق في الشكل، ولا حفاظه على الدور المسيحي في المضمون، فكان جعجع من أوائل من دفعوا الثمن.
وراهن على “الاتفاق الرباعي” لعزل “التيار الوطني الحر”، ووقف مدّ التسونامي البرتقالي، فكان أن فرط الاتفاق وقوي التيار.
وراهن على خسارة لبنان و”حزب الله” في حرب تموز، فكان انتصار تحدّث عنه العدوّ قبل الصديق. وكذلك راهن على أذرع الخارج لكسر “الحزب” فرفع سقفه حتى المدى الأعلى، والآن حتى داعموه حيّدوا الحزب من مرماهم، وأتى بيان قمة جدّة ليعطي لبنان الحق في المقاومة ويدعو إلى التمييز بين المقاومة والارهاب.
وراهن جعجع على سقوط بشار الأسد، وعدم تمكنه من البقاء رئيساً أكثر من ستة أشهر، وإلا سيحلق شاربَيْه، فلا سقط الأسد ولا حلق جعجع شاربَيْه. لا بل إن الأسد عاد منتصراً إلى الجامعة العربية، وحضر القمة في السعودية، خلافاً لتوقّع جعجع قبل 24 ساعة فقط بأن الأسد لن يحضر وأنه سيرسل وزير خارجيته كمراقب فقط.
وراهن سمير جعجع على 17 تشرين للقضاء نهائياً على الحالة العونية، وجعل “قواته” هي الأقوى في الشارع المسيحي، فكان أن انفخت الدفّ وتفرّق عشّاق “الانقلاب”، وسقط رهان جعجع مرة جديدة على الرغم من كل الأموال والتحشيد، وتأمين المستلزمات واللوجستيات وألوية الدعم الخارجية والداخلية.
وراهن جعجع على انتصار ساحق في الانتخابات، وعلى انخفاض الدولار إذا حصلت “القوات” على نصف ما تتوقّع، فلا صدقت أرقامه وارتفعت أرقام الدولار.
وراهن جعجع على عدم ترسيم الحدود البحرية، وأعلن على الملأ أن الترسيم “حتماً حتماً حتماً” لن يحصل! قالها بالثلاثة، لكن الترسيم، وبعد بضع ساعات من قسم اليمين والرهان، حصل!
أيضاً، الرهان على “فليحكم الإخوان”، والكل اليوم يلفظ “الاسلام السياسي” وحركاته المتطرفة، ورسمياً.
أين أصاب جعجع؟ وأي توقّع “ظبط معه”؟ وأي موقف اتخذه وكان في مكانه؟
أما “التيار الوطني الحر”، فيعتقد البعض أن خطيئته تكمن في الفرص التي قدّمها ويقدّمها لرئيس “القوات”، بشكل مباشر أو غير مباشر، على الرغم من فشل الأخير في كل الرهانات. فأول محطة للجنرال، بعد عودته من المنفى، كانت سجن جعجع. ولولا القانون النسبي، لما كان رأت القوات هذه الكتلة. ولولا إيمان ونضال “التيار” للشراكة والدور والوجود الحقيقي للمسيحيين، لما عاد جعجع وأخذ الاوكسجين. واليوم لا يزال “التيار” يعطي فرصة لـ”القوات” لتكون شريكة حقيقية في اختيار رئيس للجمهورية… لكن لم يكن ينقص إلا أن تتحدث “القوات” عن شكوكها وقلّة ثقتها بـ”التيار”!
(*) الآراء الواردة في المقالات لا تعبّر بالضرورة عن سياسة موقع “الجريدة”