كتب محمد شقير في “الشرق الأوسط”: الاشتباك السياسي المفتوح بين وزير الدفاع اللبناني في حكومة تصريف الأعمال العميد المتقاعد موريس سليم بالإنابة عن رئيس الجمهورية السابق ميشال عون، ورئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، وبين قائد الجيش العماد جوزيف عون، لم يكن موجوداً لولا أنه يتم التداول باسم عون مرشحاً لرئاسة الجمهورية يحظى بتأييد إقليمي ودولي يُدرجه في عداد المتسابقين، وبالتالي فإن «الحرب» الدائرة بينهما لن تتوقف، كما يقول مصدر سياسي بارز لـ«الشرق الأوسط»، إلا مع إنجاز الاستحقاق الرئاسي، فإما أن يُنتخب عون رئيساً، أو يترك منصبه ليحل مكانه على رأس المؤسسة العسكرية من يزكيه رئيس الجمهورية الجديد.
ويلفت المصدر السياسي إلى أنّ هناك استحالة في استيعاب الخلاف المتفاقم بين قائد الجيش، ووزير الدفاع سليم، والسيطرة عليه، برغم أن تداعياته لم تنعكس حتى الساعة على تدبير شؤون المؤسسة العسكرية التي ما زالت تؤدي مهامها إلى جانب القوى الأمنية في الحفاظ على الأمن وحماية السلم الأهلي، فيما يقف لبنان على حافة الانهيار الشامل تحت وطأة الأزمات المتراكمة وارتفاع منسوب الفقر الذي بلغ ذروته بغياب الإجراءات لكبح جماحه.
ويسأل المصدر: “هل الحرب المفتوحة بين العماد عون والوزير سليم بالإنابة عن النائب باسيل والرئيس السابق عون، الذي اتهم قائد الجيش بتنظيم انقلاب ضده بذريعة عدم تصديه للذين انتفضوا في 17 تشرين الأول 2019، تستدعي محاصرة المؤسسة العسكرية للاقتصاص من الشخص الذي يقف على رأسها ويتولى حالياً تصريف الأعمال بغياب المجلس العسكري الذي يتعذر عليه الانعقاد بسبب فقدان النصاب بعد إحالة ثلاثة من أعضائه إلى التقاعد؟”.
ويؤكد المصدر نفسه أن المشكلة ليست شخصية بين العماد عون والوزير سليم، وإنما تتجاوزه إلى شن حرب مفتوحة بتحريض من الرئيس عون وباسيل، ويقول بأن التركيز على الشق المالي المتعلق بالمؤسسة العسكرية يراد منه ضرب صورة قائد الجيش لدى المجتمع الدولي لدفعه إلى تغيير رأيه فيه، مع أن خصومه يدركون أن هناك استحالة لتشويه سمعته في الداخل أو الخارج.
ويكشف أن الفريق المؤيد لترشح رئيس تيار “المردة” النائب السابق سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية يراهن على أن باسيل قد يضطر إلى سحب اعتراضه على ترشحه إذا تبين له أن حظوظ عون تتقدم على المرشحين الآخرين.
ويرى المصدر نفسه أن “الحرب” ضد قائد الجيش لم تنفجر إلى العلن بسبب رفض سليم تأجيل تسريح رئيس الأركان اللواء أمين العرم، ومدير الإدارة في الجيش اللواء مالك شمص، والمفتش العام اللواء ميلاد إسحق، وإنما بدأ التمهيد لها في الأيام الأولى من انطلاق الانتفاضة التي تلازمت مع امتعاض عون من سلوك المؤسسة العسكرية برفضها الإفراط في استخدام القوة لقمع المنتفضين.
ويلفت إلى أن سليم تجنب الدخول في صدام مع “الثنائي الشيعي” بموافقته على التوقيع على قرار يقضي بتكليف العميد منير شحادة تدبير الشؤون العائدة للإدارة العامة واحتياجاتها، فيما امتنع عن التوقيع على قرار يقضي بناءً على توجيهات قائد الجيش بتكليف العميد جريس الملحم تسيير شؤون المفتشية العامة بدلاً من العميد الذي اقترحه وزير الدفاع وهو ملحم حداد، رغم أن الأول أقدم في الرتبة من الأخير.
ويتابع أن الخلاف سرعان ما ظهر بمبادرة قائد الجيش إلى وضع ملحم حداد في التصرف ما اضطر سليم إلى تكليف ضابط برتبة عقيد لتولي شؤون المفتشية العامة، رغم أن الضابط الذي اقترحه العماد عون يداوم في مكتبه إلى جانب العقيد الذي عينه سليم بذريعة أن المفتشية تتبع له مباشرة. لكن سرعان ما كرت السُبحة بإصدار العماد عون مذكرة تقضي بالسماح لمن يحمل بطاقة «تسهيل مرور» بحمل السلاح، وهذا ما أغضب وزير الدفاع بعد أن جرى تعميم المذكرة على كل المؤسسات الأمنية والعسكرية الأخرى، بذريعة أن البطاقات التي تجيز لحامليها حمل السلاح يوقع عليها هو شخصياً، بخلاف المذكرة التي يوقع عليها مدير المخابرات في الجيش بالإنابة عن قائد الجيش.
كما أن «الحرب» المفتوحة هذه أدت لاحقاً إلى تقليص الحراسات حول منزل وزير الدفاع في سن الفيل والشوارع المؤدية إليه، علماً بأن وجودها غير مسبوق، وكانت تسببت باعتراضات من قبل بعض الذين يسكنون في محيط منزله أو على مقربة منه.
كما أن المحكمة العسكرية كادت تتوقف عن العمل بدءاً من اليوم الأول من الشهر الحالي لو لم يبادر سليم إلى التوقيع، حسب المصدر السياسي، على قرار يقضي بالتمديد لأعضاء الهيئة الاتهامية الاحتياطية بديلاً عن تعذر تشكيل الهيئة الاتهامية الأصيلة برفض سليم التوقيع على قرار يقضي بتعيين العقيد خليل جابر رئيساً أصيلاً للمحكمة العسكرية، وعلمت «الشرق الأوسط» أن سليم رفض توقيع هذا القرار بحجة أن التعيين من صلاحياته، فيما تجنب حجز الرواتب العائدة للمتطوعين في المؤسسة العسكرية لأن حجزها سينعكس عليه سلباً، والأمر نفسه انسحب على توقيعه على احتياجات الإدارة العامة في الجيش، ذات الصلة المباشرة بتوفير الغذاء وتأمين الطبابة، خصوصاً أنه سبق له أن تولى الطبابة العسكرية.