كلُ الارقام القياسية تتهاوى امام الدولار . فسعر الصرفِ للعملة الخضراء لامس حدودَ ال 76 الف ليرة ، في ظل غياب اي معالجةٍ رسمية ، و في ظل استمرار اضرابِ المصارف . انها الفوضى المالية شبه الشاملة ، تواكبها فوضى اقتصادية واجتماعية . فالمحروقات ارتفعت اسعارُها مرتين اليوم : مرةً قبل الظهر … ومرةً بعد الظهر لتواكبَ ارتفاعَ سعر العملة الخضراء، ما تسبب بفوضى في التسعير وزحمةٍ امام المحطات ومطالبةِ بعضها بالتسعير بالدولار!
تزامناً ، ارتفعت اسعارُ ربطة الخبز ، واعتصم معلمو الرسمي امام وزارة التربية مطالبين بدولرةِ رواتبهِم ، وهو امرٌ صعبٌ في دولة مفلسة ! اللافت انه ، ورغم تردي الاوضاع المالية والاقتصادية والمعيشية ، فان لا حراكَ حقيقيا في الشارع . صحيح ان دعواتٍ كثيرة وجهت على مواقع التواصل الاجتماعي للنزول الى الشارع ورفع الصوت ، لكنَ التحركات الاعتراضية ظلت قليلةً ومحصورةً في مناطق معينة ومحددة . فهل تأقلم الناسُ الى هذا الحد مع الواقع المرير ، وفقدوا كلَ املٍ في التغيير؟
سياسيا، سفراء الدول الخمس استكملوا جولتهم على المسؤولين اللبنانيين، فزاروا وزير الخارجية اللبنانية، وشددوا على ضرورة الاسراع في انتخاب رئيس للجمهورية. لكن التشديد بالنسبة الى الواقع اللبناني لم يعد يجدي. اذ اصبح ثابتا ان زعماء محور الممانعة ينتظرون كلمة السر الرئاسية من الخارج، وتحديدا من ايران. لذلك يتمسكون بالورقة البيضاء وبتعطيل النصاب، ما ادى في النتيجة الى وقف عقد جلسات انتخاب رئيس للجمهورية. وفي اطار المشاورات، لفتت زيارة قام بها الرئيس سعد الحريري للرئيس نبيه بري، الذي استبقاه الى مائدة الغداء. وقد تردد ان الحريري سيلتقي في الساعات المقبلة رئيس تيار المردة سليمان فرنجية المرشح لرئاسة الجمهورية. اما بالنسبة الى الجلسة التشريعية فان امكان عقدها يتضاءل يوما بعد يوم، بعد المعارضة النيابية الواضحة، و التزام التيار الوطني الحر صف المعارضين لعقدها. لذا بدأ البحث يتركز على ايجاد حل قانوني للواء عباس ابراهيم ليبقى في منصبه، ومن دون الحاجة الى قانون في مجلس النواب!
لا جديد على مستوى الإستحقاق الرئاسي والمراوحةُ سيدةُ الموقف لكنَّ هذا لن يَحُول دون أن “يُجرِّب” الرئيس نبيه بري كسْرَ هذا الجمود المُـطْبق إلا أنه لا جلسةَ “مسرحية” يدعو إليها والذهابُ إلى المجلس يجب أن يسبقَه تفاهم.
وبحسب رئيس المجلس فإن الإستحقاق يدور بين مرشحَيْن جديين هما: سليمان فرنجية وجوزف عون إلا أن إنتخاب قائد الجيش يتطلب تعديلاً دستورياً حصولُهُ في الوقت الحاضر متعذر.
وبالنسبة لمرشحنا فمعروف وهو فرنجيه والورقة البيضاء سمّته من دون أن تكتب إسمه.
ولأنَ من يظن ظله بحجم فهمه القاصر لم يدرك النائب ميشال معوض المعنى السياسي لكلام رئيس المجلس ولا هو تأكد من مضمونه فاصدر بياناً نربأ في قناتنا أن نذكر ما فيه ولكن نقول إن البيان كشف أمام اللبنانيين أي مرشح موتور للرئاسة هو.
على أية حال فإن المعاون السياسي للرئيس بري النائب علي حسن خليل رد على االبيان الغير محترم للمعجزة بالقول نتفهم شعورك بعدما أيقنت أنك تحولت إلى أنبوب تجارب سياسي في مختبر من رشحك وضحك عليك.
وفي شأن متصل رأى الحزب التقدمي الإشتراكي في بيان أنه حبذا لو يذهب البعض إلى تلبية دعوة الحوار التي وجهها الرئيس بري للخروج من الأفق المسدود بدل توزيع التهم بطريقة همايونية بحق رئيس المجلس أو بحق أي مكون وطني وروحي لافتاً إلى أن الحوار وحده هو طريق الخلاص.
على خط الإستحقاق الرئاسي أيضاً موقف لمجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان تضمّن قلقاً بالغاً إزاء تداعيات إستمرار الفراغ الرئاسي وبالتالي دعوةٌ إلى إنتخاب رئيس جديد من دون مزيد من التأخير.
على مستوى الإستحقاقات الإقتصادية والمالية والمصرفية باشر البنك المركزي اليوم تدخله بائعاً للدولار وشارياً الليرة على سعر 70 ألفاً.
هذا الإجراء كان له مفعولٌ فوري تمثَّلَ في تهدئة جنون الدولار قليلاً فانخفض سعره في السوق السوداء أكثر من إثني عشر ألف ليرة في أقل من نصف ساعة فهل تتطور المفاعيلُ الإيجابية لهذا الإجراء أم يكون شبيهاً بتعاميمَ سابقة؟.
هذا الهبوط الدولاري إنسحبت مفاعيله على المحروقات فانخفضت أسعارها اليوم ما بين 120 ألف ليرة و184 ألفاً.
لم يَكتفِ مُعطِّلو الاستحقاقِ الرئاسي من كِلتا الجبهتين بعدمِ القدرةِ على الإنجابِ الرئاسي.. بل قفَزوا عن التعطيل الى استحضارِ حربٍ رئاسية “تناسلية” لم تَشهدْها العهود، ولا تعريفَ لها في سجِلِّ أشرسِ المعاركِ السياسية حربٌ “ولاّدية” بدأت بعبارةٍ أنبوبية للرئيس نبيه بري، واستَدرجت ردوداً كان أعنفَها للنائب ميشال معوض.. الذي اعتَبر نفسَه مَعنياً، واصفاً بري بـ”الميليشياوي”
و”الأستاذ” في الفسادِ العابرِ للعهود والحكومات وعاجلَهُ النائب علي حسن خليل ببيانٍ يُذيّلُه بعبارة “يلّي خلّف مات”، ولم تَقِف الحربُ هنا.. فبعضُ الردود أَفلتت من زنّارِها ولَجأت الى أسلحةٍ محرّمة بعباراتٍ متطرّفة، فجرّت الرئاسة وموقعَها وهيبتَها بإدارةِ متنافسين ضَرَبَهم العُقمُ السياسي ولعلّ البياناتِ والردود وألغامَها الملتهِبة أَعطت صورةً عن فريقٍ لبناني بفَرعيه “ما بيستحي ع حالو”، وهو بَدَلَ ان يَبحثَ عن طُرُقٍ لانتشالِ الرئاسة من عُنقِ الفراغ.. فإنه يَلجأُ الى افتعالِ معاركَ معيبةٍ وبأسلوبٍ يُسيء الى الشرائعِ والديانات والوِلادات لكنْ من مؤشراتِ هذا الجدلِ النِصفي أنه أعطى صورةً عن طبقةٍ سياسيةٍ ونيابية فَقدتِ القدرةَ على التخصيبِ الرئاسي وهذا التعميم يَشمَلُ جميعَ الوِلاداتِ السياسية بعدَ الحرب، والذين جاءَ بعضُهم بنُسخٍ لا تَمُتُّ الى ماضي آبائِهم واجدادِهم بأيِ صلة فسبعينياتُ القرن الماضي تَحكي عن تنازلاتٍ لقياداتٍ وزَعامات، وعن خصومةٍ بشرف كانَ يتّبعُها زعماءُ على مستوى كلِ الوطن.. من كميل شمعون وريمون إدة وبيار الجميل، الذين أرادوا أن يترشّحوا للرئاسة لكنْ لم تكن معَ أيٍ منهم الأكثرية، ونتيجةَ اتصالاتٍ معَ رئيسِ الحزبِ التقدمي الاشتراكي كمال جنبلاط أجراها غسان تويني، قال جنبلاط إنه يُقسّمُ أصواتَ كتلته بينَ سليمان فرنجية والياس سركيس، فتمّ الاتفاقُ على ترشيحِ فرنجية وتنازلَ له شمعون والجميل وإدة فأينَ الموارنة اليوم من هذا التنازلِ والرضوخ منعاً للفراغ؟
المراحلُ منذُ الطائف إلى اليوم تُجيبُ عن نفسِها.. وعن قادةٍ مسيحيين “لُقّحوا” بالأنانيات وتمرّسوا بالعِصيان على الرئاسة واحدٌ يُفرِّغُها سنتين ونِصف حتى وصولِه.. وخصمُه يترشّح ستاً وأربعينَ مرة ولا يَتعب.. وثالثٌ وَصَلَ عدّادُ ترشيحِه الى إحدى عَشْرَة مرة، ولا يزال “يستحلي” المعركة ويستظرف لقبَ المرشّحِ الرئيس أما المعطِّلون من الطرفِ المقابل فليسوا أكثرَ ظُرفاً.. ويَستطيبونَ الورقةَ البيضاء.. ويَنتظرون عند مَفارِقِ الأقاليم لاستراقِ كلمةِ سِرّ من جنّة عدن.
لأن المؤمِن لا يُلدَغ من جُحرٍ مرتين، لم يُبدِ كثيرون رغبةً في خوض غمار صيرفة على دولار سبعين ألفا، لأنهم اكتووا في الصيرفة السابقة على دولار 38 ألفا، لكنهم فوجئوا بتوقف هذا السقف، وضعوا أموالهم في المصارف لكنهم ينتظرون أن يقبضوا على صيرفة، وهم ينتظرون منذ أكثر من شهر.
إذاً من لم يستفد حتى الآن، يبدي خشيةً من صيرفة تحت شعار: ما المانع من أن يصيبنا اليوم ما أصابنا بالأمس؟
الصيرفة على دولار سبعين ألفا أصابت أكثر من قطاع، وخصوصاً قطاع فواتير الخليوي التي تُجبى بالدولار على تسعيرة صيرفة.
أما المشكلة الثانية فتتمثَّل في التسعير بالدولار في السوبرماركت والصيدليات وسائرِ مراكز البيع.
صحيح أن الدولار ثابت، ولكن وفق أي منصة تجري معادلته بالليرة اللبنانية؟ التباين بين سوبرماركت وآخر طفيف، لكنَّ الجامع المشترك بينهم أن جميعَهم يُسعِّرون “على العالي”، في ظل غياب المراقبة أو نقصها. هؤلاء يبيعون على دولار المنصة وفي اليوم التالي يشترون الدولار على صيرفة, أي علي سعر سبعين ألف ليرة، فيستفيدون من فارق منصة وصيرفة، بالإضافة إلى أرباحهم التي لا تحدُّها سقوف في كثير من الأحيان.
في الموازاة، منصة سياسية – انتخابية متفجّرة وتعكس المأزق والأفق المسدود الذي يعتري ملف الانتخابات النيابية.
بدأ السجال بقنبلة فجَّرها رئيس مجلس النواب نبيه بري بحديث إلى صحيفة “الأخبار”، وعادة رئيس المجلس مُقِلٌّ في إعطاء أحاديث إلا إذا أراد توجيه رسالة أو رسائل معينة. الرسالة التي أراد توجيهها بأسلوب: “نخاطِب الكِنَّة الداخلية لتسمع الجارة الخارجية”، فقال: “مرشحنا جدي وأكدنا عليه مراراً. أما مرشحهم فليس سوى تجربة أنبوبية”.
المرشح الجدي بحسب بري هو رئيس تيار المردة سليمان فرنجيه، في مقابل “مرشحهم” أي مرشحِ الفريق الآخر الذي ليس سوى “تجربة أنبوبية” أي رئيس حركة الإستقلال ميشال معوّض الذي رد بعنف على الرئيس بري، معتبرا أن كلامه إساءة إلى الرئيس الشهيد رينيه معوض وإساءة إلى جميع النواب والكتل التي صوّتت لمعوض.
النائب معوّض تعمَّد حشر فرنجيه، فرأى أن الإساءة تطال زغرتا الزاوية والشمال اللذين يمثلهما في المجلس النيابي, ولربما على مرشحهم أن يجيب بنفسه إن كان يقبل بإهانة زغرتا الزاوية والشمال مثلما فعل عرّابه نبيه بري.
لم يمر رد النائب معوض، فعاجله المعاون السياسي لبري النائب علي حسن خليل برد قال فيه: “نتفهم شعورك بعدما ايقنت أنك تحوَّلت الى أنبوب تجارب سياسيّ في مختبرِ من رشحك وضحك عليك”.
خلاصة هذا السجال أن مأزق الإنتخابات أمام حائط مسدود، والأمور على حالها: مرشح حزب الله والرئيس بري، سليمان فرنجيه، ومرشح القوى والكتل المعارِضة ميشال معوّض.
الملاحظ ان فرنجية إلتزم الصمت وعدم التعليق، سواء حيال ما قاله الرئيس بري عنه، وردّ معوض الذي وصف بري بأنه عرّاب فرنجيه.
منصة قضائية لا تقل أهمية عن السياسية: النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان القاضية غادة عون اجتازت الماراتون من بعبدا إلى العدلية، فزارت المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات ورئيس مجلس القضاء الأعلى.
قضائيا أيضا، أعلن السيد أنطون صحناوي وبنك سوسيته جنرال في لبنان أنهما تقدّما بشكوى مباشرة ضد النائبة بولا يعقوبيان وناشر موقع Lebanondebate ومنصة Spot Shot ميشال قنبور، بعدما أقدم الموقع المذكور على إجراء مقابلة مع النائب يعقوبيان وجّهت في خلالها اتهامات افترائية وخطيرة لكل من السيد صحناوي وبنك سوسيته جنرال في لبنان عن موضوع “جنود الربّ”، بنيّةٍ واضحة للمس بسمعتهما وإلحاق أشد الأضرار المعنوية والمادية بحقهما.
على اُرجوحةِ الدولارِ الاسودِ وحاكمِه يتطايرُ البلدُ واقتصادُه، وبتعاميمَ ارتجاليةٍ تُضربُ الليرةُ واهلُها، وتصبحُ الدولةُ كمنَ يلحسُ مِبرداً ظناً انها تَشربُ لسدِّ رمَقِها، فيما هي تَشربُ دمَها ..
رفعَ حاكمُ المركزي سعرَ منصةِ صيرفة الى السبعين، فحمَّلَ المواطنَ اعباءَ الضرائبِ والخدماتِ الحكوميةِ المرتبطةِ بمنصتِه – كفواتيرِ اتصالاتِ الخلوي مثلاً، ظاناً انها الطريقةُ الوحيدةُ للجمِ ارتفاعِ سعرِ الدولارِ الى ما فوقَ التسعينَ الفَ ليرة. صحيحٌ انه انزلَه احدَ عشرَ الفاً بضربةٍ واحدة، لكنَ السؤالَ هل سيَقدِرُ على ضبطِه بهذه الطريقة؟ والى متى؟ وان كان قادراً على المضاربةِ للجمِ السوقِ بهذا القدرِ فلماذا تأخرَ حتى الآن؟
حتى الآن – لا يرى الخبراءُ بقراراتِ المصرفِ المركزي الا ارتجالاً لا يُصْلِحُ حالاً، انما يؤكدُ حضورَه كمضاربٍ اولَ في سوقِ الصرف، ويَشي بفقدانِه السيطرةَ على النارِ التي اوقدَها في هشيمِ السوق ..
وفي الاسواقِ دولارٌ متقلبٌ بينَ متجرٍ وآخر، وسلعٌ باسعارٍ متفاوتة ، والوزارةُ المعنيةُ تُمهِلُ التجارَ اسبوعاً للانتقالِ الى الدولرة، فيما المواطنُ على انتظارِه عندَ قارعةِ الامل، عسى ان يستفيقَ ضميرُ تاجرٍ من هنا او سياسيٍّ من هناك ..
هناكَ حيثُ نارُ الوقتِ تلتهمُ ما تبقى من آمالِ الحلِّ السياسي ، كلامٌ للرئيسِ نبيه بري اعادَ اساسَ المشكلِ بينَ الموارنةِ الذين يَغرقونَ ويُغرقونَ الاستحقاقَ في المشكلةِ – كما نَقلت عنه جريدةُ الاخبار، اما الحلُّ فبالتفاهمِ على مرشحٍ، او التنافسُ الجديُ بينَ مرشحَيْنِ او اكثر، عندَها تُفتحُ الابوابُ النيابيةُ امامَ جلسةٍ حقيقيةٍ لانتخابِ رئيسٍ للجمهورية..
في الكيانِ العبري الذي يَنتحِبُ اهلُه، تُفتحُ كلُّ ابوابِ الاشتباكاتِ التي تمهدُ لحربٍ اهليةٍ كما يؤكدُ قادتُه، وتلامسُ الانقساماتُ السياسيةُ الحادةُ حدودَ جيشِهم وقِواهُم الامنية، وعلى وقعِ التظاهراتِ اليوميةِ التي تجوبُ الشوارعَ ضدَّ قراراتِ حكومةِ اتيمار بن غفير وبنيامين نتنياهو، تتسعُ ظاهرةُ العِصيانِ العسكري من كبارِ قادةِ الجيشِ والقوى الامنيةِ السابقين، وتتسارعُ عمليةُ هجرةِ رؤوسِ اموالٍ كبيرةٍ الى خارجِ اقتصادِ الكيان..