جلسة غسيل الكلى بـ 59 دولاراً

كتبت راجانا حميّة في “الأخبار”:في آخر مرّة رفع فيها سعر جلسة غسل الكلى، توافقت الجهات الضامنة على تحديدها بمليونين و500 ألف ليرة لبنانية. قبلها، كانت الكلفة تتوقف عند المليون ونصف المليون. صحيح أن الانتقال من الأولى إلى الثانية كان سريعاً، إلا أنه اليوم لم يعد يواكب ما آلت إليه الأوضاع مع الارتفاع الجنوني في سعر صرف الدولار.

في ظلّ هذا الواقع، حيث لا مواكبة ما بين تحليق سعر الدولار وانعكاساته على أكلاف جلسة غسل الكلى من جهة، وبين عجز الجهات والصناديق الضامنة من جهةٍ أخرى، ارتأت نقابة المستشفيات أن تعدّل في طريقة تحصيل مستحقاتها وفواتيرها. وهي إذ رمت مسبقاً «علماً وخبراً» لدى الجهات الضامنة بأنها في صدد تطبيق الدولرة في مؤسساتها، ها هي تلحقها بأوّل نموذجٍ عملي من خلال تحويل كلفة غسل الكلى من الليرة إلى الدولار.

مكوّنات جلسة الغسل
وفي التفاصيل، أجرت نقابة أصحاب المستشفيات أخيراً دراسة مفصّلة عن الأكلاف التي تُدفع في جلسات غسل الكلى، وخرجت بنتيجة تفيد بأنّ الكلفة الإجمالية لكلّ جلسة غسل توازي 59 دولاراً أميركياً، من دون أتعاب الأطباء الذين كانوا قد حدّدوها سابقاً بـ 15 دولاراً أميركياً، وهذا يعني أن الكلفة الإجمالية تبلغ 74 دولاراً.
بالدولار «الفريش» أجريت الدراسة، وتضمّنت 17 مكوّناً (items) منها على سبيل المثال: الفلتر دولار واحد، محلول الأسيد دولاران و5 سنتات، كلفة الصيانة والتصليح 4 دولارات و17 سنتاً، المحروقات 6 دولارات، دواء «هيبارين» دولاران ونصف دولار، دواء «EPO» 6 دولارات و«معدات أخرى» (كمامة، قفازات، مناديل ورقية، مواد تنظيف، شاش…) 9 دولارات.
انتهت التقديرات، وباتت الدراسة أمراً واقعاً و«محسوماً»، على الأقلّ بالنسبة إلى نقيب أصحاب المستشفيات الخاصة، سليمان هارون، وهي اليوم في عهدة الجهات والصناديق الضامنة للاطلاع عليها وتقرير المناسب بشأنها.
إلى الآن، لا خيارات لدى المستشفيات في طريقة الدفع، إما «فريش»، أو على أساس سعر الصرف في السوق. وقد بنى هؤلاء موقفهم على «الخسائر الواقعة»، بحسب هارون، مشيراً إلى أنه قبل شهرين، أعدّت النقابة دراسة لكلفة جلسة غسل الكلى على أساس أن يكون سعر الدولار 45 ألفاً، وكانت توازي في حينها ما أقرّته الجهات الضامنة، إلا أنه «اليوم بعد شهرين، خسرنا 50% من قيمة كل جلسة». والأسوأ بالنسبة إلى الأخير «أننا لم نقبض هذه الأموال كونها لا تدفع دورياً، ولذلك هي تفقد قيمتها كثيراً كلما تأخرت». ولذلك، كان القرار الحاسم أنه «لم يعد بإمكاننا الاستمرار في الفوترة على اللبناني»، متسائلاً «لماذا سنبقى نحن الوحيدين على الليرة، فيما الكلّ بات يسعّر على الدولار».

الجهات الضامنة: بالليرة فقط
برغم ذلك، يبدو مسار التلاقي صعباً ما بين المستشفيات والجهات الضامنة، بما أن الأخيرة لا يمكنها الخروج «من ثوب الليرة»، يقول المدير العام لتعاونية موظفي الدولة يحيى خميس، كون الموازنات بالعملة الوطنية «ولا يمكن بالتالي أن نلتزم بالفوترة إلا على اللبناني». وعلى قاعدة «الجمل بنية والجمال بنيّة»، قد يكون من الصعب التوافق على فاتورة مدولرة.

في هذا السياق، تشير مصادر وزارة الصحة إلى أن «الوزير طلب من النقابة الجلوس معاً لنقاش هذه الدراسة». وإن كان الأخير ينظر نظرة إيجابية إلى الموضوع، إلا أنّ «الأمور ليست بتلك السهولة، فالمشكلة هنا ليست في موافقة الوزير على الكلفة، وإنما في كيفية تغطية هذه الأكلاف، فهو لا يختصر الدولة، وإنما يتطلّب الأمر وضع آلية يدخل من ضمنها شركاء من وزارة المال إلى المصرف المركزي وغيره، كما أن الأمر قد يتطلّب أمورأ أخرى، مثلاً مراسيم عبر مجلس الوزراء».

أما على خط تعاونية موظفي الدولة، فينتظر خميس ما ستؤول إليه النقاشات في وزارة الصحة «لكوننا ملتزمين بما تقرّه وزارة الصحة، وعندما يتمّ الاتفاق على رقمٍ معين لا مانع من الالتزام به، علماً أن الالتزام لا مجال إلا أن يكون باللبناني».
أما بقية الجهات الضامنة، فلم تطّلع بعد على الدراسة، ولذلك لا أجوبة قد تصدر قريباً من هناك.
لكن، بغضّ النظر عن الدراسة المعمّمة على الجهات الضامنة، لا أحد يضمن الطريق الذي ستسير عليه، وخصوصاً أن لا بوادر إيجابية قد تضمن تغطية تلك المبالغ. والسؤال هنا: هل يضطرّ المرضى إلى دفع ثمن علاجاتهم مستقبلاً؟