/ خلود شحادة /
جنون، بكل ما للكلمة من معنى، أصاب سعر صرف الدولار، ليقترب من الثمانين ألفاً، من دون أي سبب واضح لما يحصل.
خبراء اقتصاديون عجزوا عن تفسير الواقع اللبناني، وأسباب انهيار العملة وتقهقرها بهذه الوتيرة السريعة جداً.
حتى “الخبزة والبصلة”، والتي كانت مضرب مثل لأكل الفقير، أصبحت اليوم لمن استطاع إليها سبيلاً، بعد “دولرة” سعر البصل. المضحك المبكي في الأمر، أن اللبناني تعايش مع الواقع إلى الحد الذي بات يقبل بـ”وقية بصل”.. للتوفير!
الشعب يسأل الشعب، لا يسأل نفسه فحسب، بل يسأل الآخرين لِمَ لَمْ يحركوا ساكناً تجاه الوضع، ويرشقون تُهم التخاذل على بعضهم البعض، ويبررون لأنفسهم “شو طالع بإيدنا”، وآخرون يقولون “تعودنا”، ليصدق “الحاكم” بما وعد به شعبه “بكرا بيتعودوا!”
والأغرب، هي الراحة التي تتنعَّم بها الطبقة السياسية، فبعد أن كانوا يحسبون ألف حساب لغضب الشارع إن زاد الدولار ألف ليرة، اليوم ينامون على “بساط علاء الدين”، رغم ارتفاع الدولار أكثر من 10 آلاف ليرة خلال 24 ساعة فقط!
بل وأكثر، فإن مصرف لبنان يلجأ أيضاً إلى رفع دولار منصة صيرفة، مما يزيد من العبء على اللبنانيين، بدل أن يلجأوا إلى تخفيف تبعات تقلبات “السوق السوداء”، وكأنهم على ثقة تامة أن الناس لن تحرك ساكناً تجاه ما يجري.
الصورة لا تعكس الواقع الحقيقي. هناك ما يشبه التمرد الداخلي، لكنه يحتاج إلى الشرارة، ربما، أو من يشعلها. ما حصل اليوم، لا يمكن اعتباره حراكاً شعبياً بمستوى حجم الانهيار. على العكس، ما زال الخجل والبرودة يحكمان ردة فعل الناس تجاه هذا الجنون المالي.
ما حصل من قطع طرق في بعض المناطق، لا يرقى الى اعتباره “غضباً شعبياً”، فهو إما أنه “انفعال موضعي” أو أنه افتعال “غير فاعل”.
فهل هناك انتظار لإشارة ما، من مكان ما، تُنظّم سخونة الشارع؟
ثمة من يذكر، أو يعيد الى الأذهان، ما قالته مساعدة وزير الخارجية الأميركية باربارا ليف، من أن لبنان مقبل على “أزمة فتاكة، تبدأ بهروب النواب من لبنان ولن تنتهي بشارع مشتعل”! وثمة من يربط كلام باربارا بالاجتماع الخماسي في باريس.
مردّ هذا الربط، يعود إلى الارتفاع غير المفهوم في السوق السوداء، علماً أن ارتفاعه يوم الثلاثاء جاء في يوم عطلة، حيث أن المصارف مقفلة، فضلاً عن أن “الصرافين الكبار”، إمّا موقوفين وإمّا منكفئين بعد ملاحقتهم. ما قدّم دليلاً على أن مَن يدير ومَن يتحكم بالسوق السوداء، قد تلقى إشارة ما برفع السعر، في سياق تحضير الأرضية لحراك شعبي، خصوصاً أنه يتزامن مع تهديد المصارف بالإقفال، والأفران بالتوقف عن العمل، ومحطات المحروقات بالإغلاق، وحراك على مستوى الأستاذة في التعليم الرسمي.
فهل آن أوان تنفيذ ما لوّحت به باربارا ليف؟ وهل صدر أمر عمليات بهذا التصعيد في سياق الدفع لانتخاب رئيس جمهورية؟
بحسب معلومات خاصة بموقع “الجريدة”، قبل أسبوع من اليوم، وفي جلسة ضيقة، بحضور نواب وأمنيين، حصل نقاش مرتبط بانتخابات الرئاسة. وبعد أن أدلى معظم الحاضرين بما لديهم من تحليل لما يجري، باغت أحدهم الحاضرين بالقول “انتظروا بعد 15 شباط”، وسكت تاركاً أسئلة كثيرة في عيون الحاضرين الذين انهالوا عليه للإستفسار حول تحديد موعد، إلا أنه اكتفى بالقول “ما قلته يرتبط بمعطيات أمنية.. وهي ليست من الداخل”.
لم تستطع الأسئلة المتكررة الحصول على تفسير أوضح، لتحديد هذا الموعد، مما أفسح المجال أمام سيل من التحليلات.
فهل ارتفاع الدولار المفاجئ مرتبط بهذه “المعطيات الأمنية”؟ وهل نحن أمام بداية السيناريو الذي تحدثت عنه باربارا ليف؟ وهل آن أوان عودة الشارع إلى الغليان؟
كلها أسئلة لا تملك في الوقت الحاضر إجابات حاسمة، لكن المؤشرات جميعها توحي أن النار تحت الرماد، وأن لا شيء يحصل بالصدفة، وأن ارتفاع الدولار بهذا الشكل، وفي ظل صمت مطبق على المستوى الرسمي، السياسي والمالي، هو جزء من خطة لتهيئة الأرضية باتجاه الدفع نحو انتخاب رئيس للجمهورية، على وقع سخونة في الشارع.
ربما يكون اجتماع باريس الخماسي قد اتخذ قرارات سرية بدأت تترجم على الأرض، خصوصاً أن هذا اللقاء الخماسي كان على المستوى الأمني، ولم يصدر عنه أو يتسرّب منه ما يوحي أن المجتمعين اختلفوا أو اتفقوا… وهي عادة رجال الأمن الذين يخفون خططهم تمهيداً لتطبيقها!