//محمد وهبة//
من بين مجموعة كبيرة من ملفات المصارف التي أرسلتها لجنة الرقابة على المصارف عن مشاكل في السيولة ومخالفات بالجملة والمفرق لتعاميم مصرف لبنان، اختارت الهيئة المصرفية العليا التي يرأسها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، «بنك البركة الإسلامي» و«فدرال بنك» لتعيين مديرين مؤقّتين عليهما. يقال إن لدى سلامة صلة قرابة مع شربل مبارك الذي عيّن على «بنك البركة»، رغم أن اقتراحه الأول كان نائب الحاكم السابق رائد شرف الدين، إلا أن هذا الأخير رفض العرض. أما في «فدرال بنك» فقد جرى تعيين نائب الحاكم السابق سعد العنداري مديراً مؤقتاً ولم يؤخذ باعتراضات مالك البنك ميشال صعب.
التشكيك بالاختيارات الانتقائية للهيئة عائد إلى نوعية المشاكل التي يعانيها المصرفان. فمصرف «فدرال بنك» لم يلتزم بزيادة الرساميل المطلوبة منه وكان يماطل بذريعة أن المساهم الأساسي في المصرف ليس قادراً على تسييل عقارات يملكها لضخّ السيولة بسبب مشاكل حصر الإرث. أما مشكلة «بنك البركة» فهي مختلفة جذرياً، ويبدو أن للحاكم مراداً منها. فالمصرف الإسلامي لم تكن لديه مشاكل كبيرة، بل كان مطلوباً منه بضعة ملايين من الدولارات (أقل بكثير من 10 ملايين دولار) كان يفترض أن تقوم المجموعة البحرينية – السعودية الأصل – بضخّها بسهولة لحماية سمعتها طالما أن لديها بضعة مليارات دولارات مستثمرة حول العالم. لكن لم تكن العلاقة جيدة بين سلامة والمساهم الأساسي في المجموعة عبد الله صالح كامل، خلافاً لما كانت عليه مع والده صالح كامل. وليس ذلك فقط، بل إن الشريك الأساسي للمجموعة كان ضمن الذين ألقي القبض عليهم في الريتز أثناء الحملة الكبيرة التي قادها ولي العهد محمد بن سلمان. لذا، فإنه ليس واضحاً الخلفية التي دفعت سلامة إلى القيام بهذا العمل طالما أنه يمنح «هدايا» بالجملة للمصارف هي عبارة عن مهل زمنية إضافية للالتزام بمتوجّباتها لجهة زيادة السيولة وتطبيق تعاميم مصرف لبنان.
وفي هذا المجال، فإن مصرف لبنان منح المصارف بضعة مليارات من الدولارات قد تصل إلى 8 مليارات دولار لتسديد ودائع ائتمانية عائدة لأفراد ومؤسسات أجانب. وهو في الوقت نفسه رفض أن يدفع لبنك البركة الوديعة الائتمانية التي تعود للمجموعة الأمّ البحرينية بقيمة تتجاوز 5 ملايين دولار. ربما لعلمه بأن هذه المجموعة ليس لديها قدرة الضغط السياسي، أو ربما لأنه «يساير» ضغوطاً أخرى. كذلك، فإن بنك البركة لم تكن لديه خسائر كبيرة في ميزانياته، طالما أنه لم يكن قادراً على توظيف الأموال بالأدوات المالية التقليدية مثل سندات الخزينة وسندات اليوروبوندز، بل كان يوظّف نحو 150 مليون دولار في عقود مرابحة. هذه العقود كانت تنصّ على أنّ بإمكان المصرف الإسلامي أن يشتري معادن ثمينة ونادرة، وأن يبيعها لمصرف لبنان مع ربح ضمن فترة استحقاق تمتدّ لفترات زمنية كان معظمها قصير الأجل (سنة أو سنتين أو ثلاث سنوات). كانت العقود تتمحور حول شراء البالاديوم، والبلاتينيوم وسواهما من المعادن. لكن عند استحقاق الدفعات المتعلقة بهذه العقود، قرّر مصرف لبنان أن يضع يده على الأموال وأن يتعامل معها كأنها شهادات إيداع وظّفتها المصارف لديه. هكذا أصبح أكثر من 80% من موجودات المصرف بيد مصرف لبنان محجوزاً عليها هناك من دون أي إمكانية لسحبها.
يتردّد أن مساهمي المصرف اتفقوا مع الهيئة على بيع المصرف لمستثمر كان الحاكم سلامة على علم به
أما الشكوك الأكبر التي تضع مصرف لبنان في دائرة المشتبه فيه فهي أن المساهم الأكبر في المجموعة، أبلغ سلامة عبر وسيط، وبشكل رسمي، أنه ينوي بيع المصرف. ولهذا السبب يتردّد أن المستثمر الذي كان ينوي شراء المصرف بوضعه الحالي، كان مرسلاً من قبل سلامة. فهل تعيين مدير مؤقّت هو وسيلة للضغط على المساهم الأساسي التنازل عن الرخصة، أم أنها وسيلة لفرض الشروط على البائع والشاري؟
هذه المشاكل كانت مع مصرف لبنان، لكن كانت هناك مشكلة أخرى لدى «بنك البركة» مع بنك بيروت. هذه المشكلة ما زالت في القضاء ولم يصدر حكم بشأنها بعد. فالمصرف الإسلامي أقرض بنك بيروت مبلغاً بالدرهم الإماراتي، لكن بنك بيروت فجأة قرّر ردّ الوديعة بالشيك المصرفي بالدولار، أي بما قيمته 8000 ليرة لكل دولار، وهو ما سيكبّد البنك خسائر في محفظة القروض (في عالم المصارف الإسلامية ليس اسمها قروضاً، إنما هي عقود بيع وشراء).