كتبت هيام القصيفي في الاخبار: يصعب على التيار الوطني الحر أن يتجاوز في أيام قليلة تداعيات انتهاء عهد الرئيس ميشال عون. حجم هذا الحدث وارتداده على الوسط الداخلي كبير إلى الحد الذي لا يزال التيار يحاول تلمّس الطريقة التي يجب أن يتعامل بها معه. وبقدر صعوبة الانتقال من موقع الصف الأول إلى الصف الثاني، مع أفرقاء سياسيين آخرين، تكمن صعوبة تفرّج التيار على مشهد رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في جولاته الخارجية ولقاءاته على مستويات مختلفة، وهو الذي عارض تسميته وتكليفه تشكيل الحكومة.
وقف رئيس التيار النائب جبران باسيل، منذ اللحظة الأولى، ضد تكليف ميقاتي رئاسة الحكومة، وحاول إقناع حزب الله بذلك. لكن الحزب ارتأى السير بميقاتي، بمَوْنة أو ضغط من الرئيس نبيه بري. ما حصل بعد ذلك أعطى لباسيل، من وجهة نظره، مشروعية موقفه تجاه رئيس الحكومة المكلف، الذي لا يريد تشكيل حكومة قبل نهاية العهد. صحيح أن حزب الله أعطى وعوداً حول حدود عمل مجلس الوزراء، وقدّم مجلس النواب لاحقاً تفسيراً في تحديد صلاحيات حكومة تصريف الأعمال، لكن باسيل يدرك أن التفسيرات الدستورية لم تعالج يوماً مشكلة القوى السياسية وفرضها أنماطاً من الأداء السياسي. كما أنه، وهو الذي خبر ميقاتي منذ كانا سوياً في حكومة اللون الواحد بعدما تلا بنفسه بيان «إقالة» حكومة الرئيس سعد الحريري عام 2011، يعرف جيداً الهامش الذي يعطيه ميقاتي لنفسه كرئيس لحكومة ولو غير كاملة الصلاحيات. ومشهد لقاءات ميقاتي الأخيرة دليل على هذا الهامش الذي يمكن أن يتوسع تدريجاً إذا طال الفراغ الرئاسي، وتطورت قنوات الحوار الإقليمية والدولية حول لبنان، ما يثير «نقزة» باسيل ويثبت وجهة نظره أمام الحزب.
في الأسبوع الأول للفراغ، يحاول باسيل الاستمرار في سياسة الاستنهاض، وهي على المدى الطويل يمكن أن تكون منهكة للتيار وحلفائه، لأن سقف العلاقة مع حزب الله قابل للاهتزاز على مستويي الحكومة ورئاسة الجمهورية. فحزب الله يدرك أن باسيل الذي يؤكد، مرة تلو أخرى، عمق التحالف بينهما ولا يشكك فيه، قابل أيضاً للقيام بردود فعل لا تصب، ولو ظرفياً، في خدمة التحالف والعلاقة بينهما، ولا حتى في مصالح الحزب في قضايا أساسية على المدى البعيد. وهذا الأمر لا ينطبق فحسب على الملف الرئاسي الذي يختلف الطرفان حوله جذرياً في مقاربة الاستحقاق والمرشحين المؤهلين له. علماً أن هناك سياسيين يتحدثون بثقة عن أن باسيل لا يزال هو المرشح الأوحد للحزب بخلاف كل ما يطرح حالياً من أسماء تدور في فلك قوى 8 آذار. لكن رغم ذلك، فإن للحزب استراتيجية سياسية مختلفة تماماً عن خريطة طريق باسيل. فللأخير تحديات داخلية تتعلق بالتيار، ومسيحية تتعلق بموقعه في المعادلة المسيحية، وإن كانت الظروف الحالية غير قابلة للاستثمار شعبياً وهو الخارج من انتخابات ربح فيها حصة لها وزنها وإن ليس بقوته وحدها. والتحديات الأكثر أهمية هي الحفاظ على موقعه كمرشح طبيعي لرئاسة الجمهورية، من دون الالتفات إلى العقوبات الأميركية. وهذا كله يضطره إلى أن يضع خريطة طريق قد لا تلتقي مع تصور حزب الله المرحلي. وموضوع الحكومة عنصر أساسي في التعثر الذي يواجه خطة عمل باسيل الذي كان يعتقد أنه سيطبقها بعد انتهاء عهد عون. وليس سهلاً أن يبدأ في مواجهة أداء رئيس الحكومة في ملفات متفرقة، كالكهرباء على سبيل المثال، وغيره من الملفات المتوقع أن تثير حساسية التيار فيتحول معها، وهو الموجود في الحكومة، إلى معارض أو غير مسهّل، وهو الذي كان يفترض أن يكون منصرفاً إلى الإعداد لمعركة رئاسة الجمهورية.
ي المقابل، يريد الحزب التهدئة على أكثر من جبهة، فلا هو في وارد فتح معركة مع رئيس المجلس النيابي حول ترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، أو مع ميقاتي الذي لم يسجل معه في العمق أي خلاف أساسي. وهو يحاول، في سعيه إلى إيجاد توازن مع باسيل الذي لم يعد له من حليف سواه عملياً، استيعاب نقمة حليفه، مدركاً في الوقت نفسه أن باسيل قادر على أن يكون معانداً وحاداً في معاركه السياسية، من دون الاختلاف الجوهري في الرؤية المستقبلية. لكن هذا النوع من الإشكالات يربك الحزب ولو كان التيار يستفيد منه في تعزيز وضعيته. لذا يحتاج الفريقان إلى نقطة التقاء، لا تبدو حتى الآن موجودة في مقاربتي وضع حكومة تصريف الأعمال ورئاسة الجمهورية. لكن «الحاجة دائماً أم الاختراع، وبما أنهما يحتاجان بعضهما، كما كانت الحال بينهما في أكثر من محطة استراتيجية أو محلية، سيجدان في لحظة ما مصلحة مشتركة في إعادة وصل ما انقطع بينهما. وحتى ذلك الوقت قد يضاعف باسيل من توجيه سهامه إلى أكثر من حليف.