استحالة عودة المهجّرين السوريّين من لبنان؟!

كتب نبيل خليفه في “نداء الوطن”:

كثُر الحديث مؤخراً عن السوريين المهجّرين الى لبنان وإمكانية عودتهم الى بلدهم سوريا. وتبارت جهات متعدّدة في رسم مقوّمات هذه العودة من حيث الظروف والوسائل والمبررات التي تساعد على تحقيق مثل هذه العودة.

وفي تحليل علمي لهذه التصوّرات التخيّليّة الخادعة لدى بعض المنظّرين السياسيّين، يتبيّن أنها لا تستند الى أسس وحقائق موضوعيّة في مقاربة هذه المسألة. بعضها مجرّد تصوّرات، وبعضها مجرّد روايات، وبعضها مجرّد أمنيات يُراد لها أن تكون حقائق موضوعيّة. غير أنّ الواقع يفرض نفسه في نهاية الأمر وتعود الأمور الى حقيقتها الأولى والثابتة: لا عودة في المدى المنظور على الأقل! لماذا؟

في الإجابة على هذا السؤال تكمن جملة من الأفكار والمعطيات والحقائق التي تتصل بحقيقة الوضعيّة السوريّة في الداخل والخارج، وبالتالي ما ينعكس منها على وضعية المهجرين السوريّين الى العالم بشكل عام والى لبنان بشكل خاص. فما الذي يمكن؟ بل وينبغي، قوله في هذا المجال؟

1 – منذ آذار 2011 وسوريا تتعرّض لأعمال عنف ضد النظام القائم، وقد شهدت البلاد موجات من الصدامات بين «الثوار» ونظام الرئيس بشار الأسد ما أدّى الى نزوح قسم من السكان إلى خارج سوريا ومنها تحديداً إلى لبنان كونه البلد الأقرب والأكثر استعداداً لاستقبال المهجرين. وبحسب الاحصاءات، بلغ عدد المهجرين السوريّين الى لبنان، منذ العام 2011 الى العام 2022 ما يقارب المليوني مهجّر.

2 – إن أوّل ما ينبغي العودة اليه والاستناد إليه في مقاربة المسألة السورية هو الأرقام. لسبب جوهري يتجاهله البعض وهو تأثير الواقع الجغرافي – الديمغرافي – الاثني- الديني على التركيبة السورية. وفي العودة الى مؤلف Atlaseco للعام 2013 أي غداة بدء الأحداث في سوريا يبيّن لنا عبر الأرقام ما يلي:

– مساحة سوريا: 185180 كلم²

– حدودها البحرية: 193 كلم

– حدودها مع العراق: 605 كلم

– حدودها مع لبنان: 379 كلم

– حدودها مع اسرائيل: 76 كلم

– حدودها مع الأردن: 375 كلم

– حدودها مع تركيا: 822 كلم

3 – يبلغ عدد سكّان سوريا (2012) 20.864.000 مليون نسمة

– نسبة العرب منهم تصل الى 90.3 %

– أكراد وأرمن وسواهم 9.7 %

من حيث الدين؛

– المسلمون السنّة 74%

– العلويون والدروز وآخرون 16%

– المسيحيون 10%

… هذه الأرقام تعطي صورة واضحة عن الواقع الجيو- بوليتيكي لسوريا، ومن الخلافات التي نشأت وتنشأ عن مثل هذه التركيبة الاثنية – الدينية بما تحتويه وتحتمله من صراعات وصدامات وخاصة في ظل وجود قوى خارجية تزكّيها وتفجّرها (وخاصة من اسرائيل).

4 – من المعروف تاريخيّاً أنّ الرئيس حافظ الأسد استطاع بحنكته السياسية ان يجعل قيادة السلطة في سوريا بيد الطائفة العلويّة. لكن تطوّر الأمور في المنطقة وفي سوريا بالذات، بدءاً من العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، بدأ يرسم خطوطاً جديدة في بناء دول القرن الحادي والعشرين خاصة في منطقة الشرق الأوسط. فقد بدأت الأكثرية العربية السنيّة تعمل لاحتلال موقعها في صلب الكيانات الدولية في دول المنطقة، كما تنبّهت الأقليات وبدأت هي الأخرى تسعى للاحتفاظ بما حققته في السابق، بل وأكثر بما يمكن أن تحصل عليه في الحاضر والمستقبل. من هنا بدأ الصراع بين الأكثرية العربيّة السنيّة والأقليات الاثنية والدينية الأخرى. وكما نلاحظ من خلال الأرقام الواردة أعلاه فانّ سوريا هي في ثلاثة أرباعها (¾) مشكّلة من العرب السنّة أي بما يساوي 15.439 مليون عربي سني في سوريا ( 74%).

5 – هذه الوضعيّة الديمغرافية الجديدة طرحت على بساط البحث داخل الدوائر الاسرائيليّة، مصير اسرائيل على ضوء التطوّر الديمغرافي الاقليمي. وقد اختصرت صحيفة هآرتس الاسرائيليّة بتاريخ 22/9/2005 هذا المأزق التاريخي بالقول: «إن الزيادة الطبيعيّة في أعداد العرب داخل اسرائيل ستؤدي مع النزعة العدوانيّة الى زوال اسرائيل بعد خمسين سنة». وهكذا بدأت قوى سياسية في اسرائيل تعمل من أجل دولة يهودية صرفة وليس اسرائيليّة. أي دولة الصفاء الاثني الديني على السواء. اي دولة يهوديّة وهو ما تعمل له الآن القوى الفاعلة في اسرائيل.

6 – في المقابل كانت ايران تعمل لبسط نفوذها في مختلف دول المشرق العربي خاصة بعد اسقاط أميركا لنظام صدام حسين، ولذا شرعت في دعم وتنظيم الأقليات الشيعيّة في دول المنطقة وكان أبرزها «حزب الله» في لبنان كحلقة اساسيّة في الهلال الشيعي بين ايران والمتوسط مروراً بسوريا. وهذا الموقع يفسّر الى حدّ كبير الدور الذي قام به «حزب الله» عسكرياً وسياسياً في سوريا ضد القوى السنيّة والديمغرافيا السنيّة في العديد من المناطق السورية، ولا سيّما تلك المجاورة للحدود اللبنانية حيث نزح الآلاف منها الى لبنان من الذين تمّ تهجيرهم!

باختصار كلّي، وجد أهل السنّة في المنطقة، وتحديداً في سوريا أنفسهم أمام تحديات مصيريّة يشارك فيها اليهود من جانب والأقليات الاسلاميّة العربية وغير العربيّة من جانب آخر. وهدف هؤلاء المشترك ازاحة العرب السنّة عن التحكّم بالوضع السوري داخل الهلال الخصيب، ذلك أنّ مثل هذا التحكّم يشكّل في نظر اليهود خطراً مستقبلياً على دولتهم من منطلق ديموغرافي باعتبار أنّ الديمغرافيا هي التي تصنع التاريخ!!.

كما يشكّل في نظر الأقليات الحاكمة أو التي تسعى الى الحكم، سدّاً في وجه هذه الأقليات، ولذا عمل الجميع على إسقاط هذا السد وإبعاده واستبعاده، بمعرفة وموافقة القوى الدولية الكبرى التي عادةً ما تقف الى جانب أهداف اسرائيل الاستراتيجيّة!

إن في مضامين هذا الكلام ما يفسّر صعوبة بل استحالة عودة المهجّرين من لبنان لأن أسباب تهجيرهم لا تزال هي هي: انّها جزء من «استهداف أهل السنّة»!!