/ هبة علام /
على وقع الانهيار المتسمر، انفجر الشارع اللبناني بوجه المصارف، وبدأت “معركة استرداد الودائع” بحسب ما أسماها المودعون.
سلسلة”la casa de papel”، بالنسخة اللبنانية، انطلقت لتغزو مختلف فروع المصارف اللبنانية في مناطق عدّة.
كانت البداية منذ سنة تقريباً في البقاع الغربي، وقد لا تكون النهاية يوم الجمعة الذي سجّل أعلى عدد اقتحامات للمصارف وبلغت 8 في يوم واحد.
ما يجري بين المودعين والمصارف، حرّك الأجهزة الأمنية، ودفع جمعية المصارف لاتخاذ قرار الإقفال لمدة 3 أيام كتهديد أوليّ إذا استمرت هذه التحركات.
لكن على غرار الحوادث المماثلة التي حصلت في السابق، ظهر اليوم في طور الحديث عن تطورات أمنية قد يشهدها لبنان، وضع ما يقوم به المودعون في إطار حملة ممنهجة تهدف إلى الفوضى وزعزعة الأمن.
هذا التوصيف لما يحصل، لم يكن بناء لما قاله وزير الداخلية بسام المولوي في الاجتماع الأمني فحسب، وإنما جزء من الرأي العام اللبناني كان قد سبق المولوي وشنّ حملة تخوين لمقتحمي المصارف، ما قسم الرأي العام بين مؤيد لما يفعله المودعون ورافض له.
المؤيدون اعتبروا أنه حان الوقت للتخلّي عن نظرية المؤامرة التي تظهر بين الحين والآخر، فالمودعون أصحاب حق وهمّهم الوحيد تحصيل أموالهم وجنى عمرهم، فالسلطة التي تقاعست عن حلّ هذه الأزمة طوال السنوات الثلاث الماضية لم تترك لهم أي خيار غير التوجه إلى ما أسموه “العنف الثوري” و”استرجاع الحق بالقوّة”، بعد استفحال الأزمة واستنزاف أرصدتهم.
المعارضون، يعتبرون أن هذه التحركات مشبوهة، وهي مدفوعة في بدايتها لجر باقي المودعين بحماسة على قاعدة أن هذا الخيار بدأ ينجح. والهدف هو الضغط باتجاه إغلاق المصارف، وتجميد حركة البلد الاقتصادية التي تُعدّ المصارف نفسها ركيزة أساسية لها، لا سيما في كل ما يتعلق بعمليات الاستيراد، إضافة إلى رواتب وأموال المواطنين وحسابات الشركات والمؤسسات الخاصة.
كما يعتبر المعارضون أن المودعين محقون بمسألة استرجاع حقوق التي لا خلاف عليها، لكن ذلك لا يعطيهم الحق بتعريض حياة الآخرين للخطر باستخدام السلاح والاحتجاز وترهيب الناس من عملاء المصارف وموظفيها الذين لا علاقة لهم بكل ما جرى ويجري.
ووسط هذه الانقسام العامودي والإزدواجية في مقاربة تصرفات المودعين وما يجري على أرض الواقع، ماذا يقول القانون عن هذه التصرفات؟
مرقص لـ “الجريدة”: تقصير السلطات في وضع خطة زمنية لتحرير الودائع
يشير رئيس مؤسسة “جوستيسيا” المحامي الدكتور بول مرقص، في حديث لموقع “الجريدة”، إلى “غياب تام لأي أحكام واضحة ومبرمة وحقيقية وقابلة للتنفيذ عن المحاكم اللبنانية بموضوع تحرير ودائع المودعين، إن لناحية سحبها نقداً أو لجهة تحويلها إلى الخارج. ذلك أن الأحكام في هذا الشأن لم تصل إلى خواتيمها، ويوجد تفسيرات متعدّدة للقانون بسبب السابقة المالية في لبنان، في ظل وجود الملاءة الكافية لدى المصارف التي في الوقت نفسه لا تمتلك السيولة النقدية لاستيعاب طلبات جميع المودعين”.
ويؤكد أن “القانون اللبناني ينص على إرجاع الوديعة لصاحبها عند استحقاقها، لكن في الوقت ذاته ما هو سبيل تطبيق هذا القانون في ظل اعتكاف القضاة، وقبل ذلك الإطالة في البت بالدعاوى؟”.
أما عن مصير أي مودع يقوم باقتحام مصرف وموقفه القانوني فيقول مرقص: “العبرة في تشدّد القضاء بتطبيق مواد قانون العقوبات ذات الصلة، تتوقف على ادّعاء المصرف وادّعاء العاملين فيه وسائر العملاء المتواجدين فيه خلال عملية الاقتحام، وهذا من شأنه أن يطيل أمد التوقيف للمودعة والمودع اللذين قاما بهذا الفعل، خصوصاً في ضوء وجود أكثر من 20 ألف عائلة تعتاش من عملها في القطاع المصرفي”.
وبالنسبة للخيار المُتاح أمام المودعين، فيلفت إلى أنّه “عليهم الضغط من خلال التحرك المبرمج والهادف بالتزامن مع طرح خطط بديلة، والضغط المتواصل والهادف على المسؤولين السياسيين، بدلاً من أن يضغط المواطنون على بعضهم البعض، كما كان حصل سابقاً من قطع طرقات وتخريب أملاك عامة”.
ولتفادي ما يجري حتى لا تذهب الأمور نحو الفوضى وشريعة الغاب، يعتبر مرقص أن الحل هو في “وضع خطة من قبل الدولة تعيد الأموال إلى المودعين على نحو زمني واضح، وحتى ولو كان طويلاً، من أجل عدم لجوئهم إلى الخيارات الصعبة”.
ويرى مرقص أن “حوادث اقتحام المصارف من قبل بعض المودعين للحصول على ودائعهم، إنما تأتي نتيجة تقصير السلطات عن وضع خطة استراتيجية وزمنية لتحرير الودائع وإعطاء المودعين حقوقهم، فالسلطات المتعاقبة لم تترك للمودع خيارات فضلى، لأنها لم تقرّ أية خطة في الأساس، من أجل تحصيل الحقوق، وإن كان هذا الأمر لا يبرر للمودعين فعلتهم”.