/سارة طهماز/
ما إن وصلنا إلى أوّل الشهر الجديد حتّى استحقت الفواتير، وأشعلت نارها الملتهبة عقول وجيوب المواطن اللبناني وسحقت معها ما نالوه من أجر للشهر الماضي، فتسعيرة اشتراك المولدات فاقت المعقول في بعض المناطق، التي ما لبثت أن دفعت منذ أيام فاتورة كهرباء الدولة وتبعها زيادة في ساعات التشغيل وتخفيض لساعات التقنين لساعتين ربما. فلماذا لا تراقب الدولة اللبنانية عبر وزاراتها المعنية تسعيرة اشتراك المولدات؟ ولماذا تختلف هذه التسعيرة من منطقة إلى أخرى؟ مع العلم أنها منذ أشهر قليلة اتخذت بعض الإجراءات بحق أصحاب المولدات المخالفين، فما الذي استجد اليوم؟ ولماذا قام أصحاب هذه المولدات بالتسعير على سعر صرف الدولار الجديد (وصل إلى 35,000 ل.ل.)، بالإضافة إلى سعر المازوت الجديد (زاد سعر الصفيحة 28000 ل.ل.، ووصلت إلى 779,000 ل.ل.). كيف لمواطن أكلت أمواله المصارف، ويأكل التجّار ما تبقى منها وما يحصّله في هذه الأيام البائسة أن يدفع كل هذه الفواتير ويتحمل كل هذه الأعباء؟.
في جولة على بعض المناطق وأبرزها الضاحية الجنوبية لبيروت نرى أن جشع أصحاب المولدات لا يفوقه جشع اَخر من أصحاب المصالح الذين يرهقون كاهل الشعب بسلبه كل ما لديه من أموال.
يفيد بعض المشتركين بأنهم دفعوا ما بين 5 و10 مليون ليرة لبنانية ثمن 2.5 أمبير و10 أمبير، بالإضافة إلى أن التسعيرة كانت وفقاً لسعر صرف الدولار في السوق السوداء بعدما ارتفع إلى ما يفوق الـ 35 ألف ليرة لبنانية في اليومين الماضيين. أما في بيروت الإدارية فلم يعتد المواطنون على استخدام المولدات ولربما هي غير متوفرة في العديد من المناطق بما أن الكهرباء كانت متوفرة بشكلٍ أكبر.
ومن جهة أخرى، أفاد بعض القاطنين في منطقتي جون والبقاع الغربي إلى أن بدل الاشتراك لا يفوق 500 ألف ليرة لبنانية، بما أن المنطقة تتغذى بالكهرباء من معمل بولس أرقش (معمل الأولي) الذي يتغذى من مصلحة الليطاني كبعض القرى التي وفرّت لها المصلحة عبر المعامل الكهرومائية خدمة الكهرباء طوال الوقت.
في حين يمرّ لبنان بأزمة طاقة كبيرة بعد اعتماد مؤسسة الكهرباء سياسة تقنين واسعة، واضطرار أصحاب المولّدات إلى خفض ساعات التغذية جرّاء شحّ المازوت، تنعم 109 بلدات في البقاع الغربي وراشيا والنبطية وجزين والشوف يومياً بتغذية تبلغ 20 ساعة من أصل 24 ساعة.
وإذا كان استيراد المحروقات يتطلب امتلاك العملة الصعبة التي شحّت، فإنّ الطاقة البديلة متوافرة مجّاناً. تجربة معامل الطاقة الكهرومائية التي تمتلكها وتستثمرها المصلحة الوطنية لنهر الليطاني تطرح نفسها اليوم كنموذج بيئي غير ملوّث ويوفّر الطاقة في أصعب الظروف وهو نموذج يمكنه الاعتماد على موارده الخاصة لصيانة معدّاته، فالوفر الذي حققته معامل الليطاني على الخزينة العامة خلال عامي 2019 و2020 قد بلغ أكثر من 159 مليون دولار أميركي.
وفي هذا الإطار لفت مدير عام مصلحة الليطاني سامي علوية إلى أنه منذ خمسينات القرن الماضي (قامت المصلحة بتنفيذ المخطط الكهرومائي في الفترة الممتدة ما بين 1955- 1968)، تم وصل قرى جزين والبقاع الغربي وجزء من راشيا وإقليم الخروب والشوف بمحطات الأولي وعبد العال وهؤلاء البلدات تستفيد من التغذية الكهربائية، ولم يكن لديهم بديل ولا مولدات، وقد طلبت مصلحة الليطاني زيادة التوزيع إلى البلدات ليستفيد عدد أكبر من التغذية، في العام 2017 أخذ مجلس إدارة كهرباء لبنان قرار بعمل مناقصة لتجديد خلايا محطة الأولي لتشمل ستة مخارج تضم بلدات إضافية، واستفادت بعض القرى الجنوبية وإقليم الخروب والشوف، وبالتالي استطاعت محطة الأولي ضمن قدرة معاملها أن تحقق هذه الاستفادة.
وفي ما يخص طرح وزارة الطاقة وكهرباء لبنان فرض التقنين على قرى جزين واقليم التفاح والشوف والبقاع الغربي المستفيدة من معامل الليطاني تحت عنوان عدالة التوزيع الكهربائي، وبما أن المصلحة تغذي ما يقارب المئتي بلدة بالكهرباء، دعا علوية إلى إزاحة تعديات النازحين السوريين التي تشكل 30% من القدرة الإنتاجية، وفي المقابل يتم منح الكهرباء لقرى إضافية، كما أنه طلب من الوزارة وشركة الكهرباء إزالة تعديات اللبنانيين الموجودة في هذه مناطق التي لا تستفيد من خدمة الكهرباء عبر الليطاني، وتحويلها إلى منطقة نموذجية، بدل اللجوء إلى قطع الكهرباء عن 600 ألف مواطن لبناني.
إذاً الحلول البديلة في ملف الكهرباء متوفرة بخطة بسيطة وتطبيق ورقابة فاعلة، لكن الدولة اختارت أن تضعها نصب عينيها، وتمعن بحرمان الناس من خدمة أساسية، لصالح تعزيز أرباح “كارتيل” المولدات الذي يعيش على دم المواطن.. فإلى متى هذا الاستهتار بأساسيات العيش في لبنان ولمصلحة من؟.