جدران حديدية أمام طريق التأليف

أوضحت مصادر قريبة من الرئيس مجيب ميقاتي لصحيفة “الجمهورية” أنه طرح منذ البداية توسيع الحكومة الى 30 وزير مع رئيس الجمهورية ميشال عون، وتخلّى عن تغيير وزير الطاقة رغبة منه بتسهيل ولادة الحكومة، ولكنه اشترط على رئيس الجمهورية ان يختار اسمًا بديلًا لوزير الاقتصاد يكون مقبولًا لدى نواب عكار (في اعتبار انّ هذه الوزارة هي من حصة الطائفة السنّية في الحكومة الحالية)، وان يختار اسمًا لوزارة المهجرين بديلًا من وزيرها الحالي عصام شرف الدين، لا يكون على خصومة مع رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط ( كون هذه الوزارة هي من حصة الطائفة الدرزية في الحكومة الحالية). وقالت مصادر معنية بالتأليف لـ “الجمهورية”، انّه في حال اختار عون هذين الإسمين بهذه المواصفات لن يكون عندها من عائق امام ولادة الحكومة في اي وقت

وكشفت مصادر قريبة من “الحزب” وعلى تماس مع توجّهاته السياسية الداخلية، انّ “تحميله المسؤولية عن الحل ليس منطقيًا ولا واقعيًا، فهو سعى من قبل للإسراع في تشكيل الحكومة ولم تأتِ جهوده بأي نتيجة مجدية وايجابية”. ولفتت المصادر إلى “انّ الجهود التي بُذلت حتى الأمس القريب اصطدمت بأكثر من جدار حديدي نصبه أكثر من طرف وليس من جانب فريق واحد. وانّ تحميل المسؤولية لأي طرف دون آخر ليس عدلًا ولا منطقًا سليمًا. فالمسؤولية تقع على الجميع، وكذلك تبعات الأزمات المتعددة الوجوه التي ألقت بثقلها على جميع اللبنانيين بلا تفرقة او تمييز بين منطقة وأخرى، فالنكبة حلّت بأديار الجميع”.

واعتبرت مصادر سياسية لـ “الجمهورية”، انه “ليس شرطًا لتحريك الاتصالات حول الشأن الحكومي ان يكون الرئيس المكلّف وباسيل موجودين في لبنان، لأنّ الاتصالات المتطورة بأشكالها المختلفة جعلت الجميع على تماس مع كل جديد حكومي وسياسي في لحظته، وانّ الرهان على الوجود الشخصي لا علاقة له بمجموعة العقد المتنامية والتي زادت من حدّتها المواقف المتشنجة التي تلاحقت في الأيام القليلة الماضية، بعد ان بلغت حدودًا غير متوقعة، وخصوصًا عندما استغلت بعض المراجع الدينية الأحداث الأخيرة لتسجيل مواقف لم يكن لها أي لزوم، ولن يكون لها أي رد فعل في الشارع اللبناني المكتوي بنار الأزمات التي تسببت بها منظومة سياسية ما زالت هي عينها تدير الأزمة ولم تجد حلًا لأي مظهر من مظاهرها.

وإلى ذلك، استغربت أوساط سياسية معارضة “البيان الحاد والعالي النبرة” الصادر عن رئاسة الجمهورية، والذي وصل إلى حدّ اتهام من “يقوِّلونه ما لم يقله” بـ”أولاد الحرام”، علمًا انّ وفد الرابطة المارونية الذي زار الرئيس ميشال عون نقل عنه حرفيًا انّ “حكومة تصريف الأعمال لن تكون قادرة على ممارسة مسؤولياتها على نحو كامل في حال تعذر انتخاب رئيس جديد للجمهورية لأي سبب كان، ولا يبدو طبيعياً انّ الفراغ على مستوى السلطة التنفيذية غير المكتملة المواصفات وغير الحائزة على ثقة مجلس النواب يمكنه ان يملأ فراغًا على مستوى رئاسة الجمهورية”.

وقالت هذه الأوساط لـ”الجمهورية”، انّ “الكلام الصادر عن لسان الرئيس عون حرفيًا يؤشر في وضوح إلى انّه سيلجأ إلى خيارات معينة في حال لم تتشكّل حكومة، وكلامه لا يحتمل التأويل، فضلاً عن انّه كان عبّر عن الموقف نفسه في مقابلة صحافية منذ أشهر، ومن الواضح انّه لم يغادر هذا الموقف لجهة انّ صلاحيات رئاسة الجمهورية لا يمكن ان تؤول إلى حكومة تصريف الأعمال، كما انّ تياره السياسي كان أكّد، بلغة المصادر، انّ الخيارات الممكنة تتراوح بين تكليف شخصية معينة رئاسة حكومة انتقالية، وبين انتزاع التكليف من الرئيس المكلّف، وبالتالي كل ما يُثار على هذا المستوى لم يأتِ من فراغ، ولا يندرج في إطار “دسّ الأخبار والمعلومات الكاذبة”، إنما يرتكز إلى مواقف معلنة للرئيس عون وآخرها أمام وفد الرابطة المارونية“.

واعتبرت الأوساط نفسها “انّ الرئيس عون لو جزم بأنّه سيغادر القصر الجمهوري عند انتهاء ولايته بمعزل عن تأليف حكومة جديدة او عدمه، وانّه يتمنى فقط ان يصار إلى تأليف حكومة، لما كانت صدرت كل هذه الأخبار التي بُنيت على مواقف الرئيس نفسه من جهة، وعلى تاريخه من جهة ثانية بدءًا من ترؤسه لحكومة انتقالية في العام 1988، وصولًا إلى معادلة انتخابه أو الفراغ، والتي توحي بإمكانية تكراره من باب انتخاب مرشحه الرئاسي او الفراغ او الفوضى الدستورية”. ورأت الأوساط “انّ رئيس الجمهورية قد يكون من خلال إعلانه اللجوء إلى تدبير معين في موقع الملوِّح بهذا الإجراء، تسهيلًا لتأليف حكومة تجسِّد مصالحه في نهاية عهده، إلّا انّ الأكيد هو انّه يعدّ العدة لخطوة غير دستورية يعمل، كالعادة، على تغطيتها بغبار الشعبوية المعروفة، حيث انّ كل الهدف من تحريك الملف الحكومي والتلويح بخيارات غير دستورية تأليف حكومة جديدة يدخل إليها النائب جبران باسيل ومعه ثلث معطِّل صافٍ يتيح تنصيبه رئيس جمهورية مقنّعاً على طاولة مجلس الوزراء خلال مرحلة الشغور الرئاسي، وبذلك يتحكّم بكل شاردة وواردة ولا يكون على عجلة من أمره رئاسيًا، ويستخدم موقعه الجديد كمنصة متقدّمة في معركته الرئاسية”.

ودعت الأوساط المعارضة رئيس الجمهورية إلى “حسم كل هذا الجدل، ليس من خلال بيان اتهامي وتخويني، إنما عبر تأكيده انّه لن يبقى دقيقة واحدة في القصر الجمهوري بعد انتهاء ولايته، وانّه لن يلجأ إلى خيار يولِّد انقسامًا دستوريًا، وسيكون خطوة غير دستورية، لأنّ الدستور واضح على هذا المستوى، من انّ الحكومة القائمة أكانت فعلية ام حكومة تصريف أعمال تتولّى إدارة البلاد”.

وسألت الأوساط: “ما الجدوى من تأليف حكومة ستتحول حكومة تصريف أعمال بعد أسابيع قليلة ولن تتمكن من الاجتماع أكثر من اجتماعين او ثلاثة كحدّ أقصى، فيما الحكومة الحالية تتولّى مسؤولياتها بالحدّ الأدنى، وأي حكومة جديدة لن تكون أفضل من سابقتها في ظلّ العهد الحالي، فضلًا عن انّ حكومة نهاية العهد ستكون الأسوأ من حيث انّ العهد يريد الدخول إلى متنها بقوة من خلال توزير باسيل ومعه الثلث المعطِّل؟”. واستغربت “الكلام عن انّ الهدف من تأليف الحكومة ان تتولّى صلاحيات رئيس الجمهورية، وكأنّ هناك إرادة بالفراغ وتكرار سيناريو الانتخابات الرئاسية السابقة، فيما المطلوب وضع كل الجهود، ليس في تأليف حكومة إنما في انتخاب رئيس جديد يعيد إنتاج سلطة جديدة وينقل البلد إلى مرحلة جديدة”.