زلزال سوريا

زلزال الطبيعة يرأب الصدع السياسي بين لبنان وسوريا

/خلود شحادة/

تصدّعت العلاقات اللبنانية ـ السورية، بفعل “زلزال” العام 2005 باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري. وعلى الرغم من محاولة “ترميم” هذه العلاقة، بفتح السفارة السورية في لبنان، وانشاء علاقات دبلوماسية بين البلدين، الا أن الهزّات الارتدادية لزلزال 2005، كانت تهدم كل محاولات التقريب بين البلدين الشقيقين.

كما زادت الهزات الارتدادية من “شرخ” العلاقات، بين بيروت ودمشق. هذه الهزات، حصلت عقب الأحداث في سوريا، وانقسام الداخل اللبناني، بين مؤيد للدولة السورية بقيادة الرئيس بشار الأسد، وبين مؤيد للمعارضة ومطالبها بإسقاط “النظام”. أما الموقف اللبناني الرسمي منذ ذلك الحين حتى اليوم، فقد اعتمد مقولة رئيس الحكومة، آنذاك، نجيب ميقاتي، التي تنص على “النأي بالنفس” عن أحداث سوريا، وتسببت بانزعاج في سوريا من ميقاتي. وقد استمرت قاعدة “النأي بالنفس” في سياسات الحكومات التي تشكّلت في لبنان من ذاك الوقت.

بعد الزلزال السياسي العام 2005، أتى زلزال الطبيعة، ليرأب الصدع الحاصل في العلاقات اللبنانية ـ السورية، وما فرّقته الأحداث السياسية و”الربيع العربي”، جمعته الإنسانية، بعد الكارثة التي حلّت على تركيا وسوريا، مخلّفة وراءها آلاف الضحايا والجرحى والمفقودين والمشردين.

زلزال، أكد ما هو مؤكد، أن كل ما يجري في محيط لبنان، وتحديداً ما يجري على شقيقته سوريا، سنسمع ارتداداته في العمق اللبناني، تارة بسبب الترابط الجغرافي، وتارة بسبب وحدة المسار والمصير.
علت الكثير من الأصوات للمطالبة بمد يد العون لسوريا دولة وشعباً، وعدم الاكتفاء بـ”البكاء على أطلال الزلزال”، خاصة أن الدولة السورية تخضع اليوم لحصار “قانون قيصر”، الذي فرضته الولايات المتحدة الأميركية.

الجدير بالذكر، أن أي مساعدة دولية أو رسمية لسوريا اليوم، لا تخضع لـ”قانون قيصر”، لأنها تندرج تحت عنوان المساعدات الإنسانية في الكوارث الطبيعية، وبالتالي لا مبرر لعدم تقديم المساعدة من أي طرف، عربياً كان أو غربياً.
في الموقف الرسمي للدولة اللبنانية، أعربت وزارة الخارجية والمغتربين عن “عميق تعاطفها وتضامنها مع سوريا حيال الكارثة التي سببها الزلزال الضخم”. وتقدمت بأحر التعازي، “لحكومة وشعب سوريا، ولذوي الضحايا وتتمنى الشفاء العاجل للمصابين وتُبدي استعداد لبنان لتقديم يد العون والمساعدة”.

الملفت في هذه الفاجعة، كان موقف رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، نفسه، الذي يبدو أنه وجد في هذه المحطة فرصة لـ”ترميم” علاقته مع سوريا، عقد سلسلة اجتماعات في السرايا الحكومي، ليشكل بعدها وفداً وزارياً يتوجه غداً الى سوريا، لعقد سلسلة لقاءات مع المسؤولين السوريين تتناول الشؤون الإنسانية، وتداعيات الزلزال المدمّر الذي وقع في عدة مناطق في سوريا، والامكانات اللبنانية المتاحة للمساعدة في مجالات الاغاثة.

كذلك، تم تشكيل بعثة من قبل المجلس الاعلى للدفاع، تضم عناصر من الجيش والدفاع المدني وفوج إطفاء بيروت ولجنة إدارة الكوارث في رئاسة مجلس الوزراء ـ الأمانة العامة للمجلس الأعلى للدفاع، الصليب الأحمر اللبناني إضافة الى التنسيق مع بعض شركات القطاع الخاص.

كما تم فتح المرافق الجوية والبحرية أمام شركات النقل المحملة بالمساعدات الإنسانية من الدول والمؤسسات والمنظمات الدولية، وإعفائها من رسوم المطارات والمرافئ خصوصاً تلك المتعلقة بمواجهة تداعيات الزلزال الذي حصل. وبحسب ما صرح به وزير الأشغال في حكومة تصريف الأعمال علي حمية، مكلفاً من ميقاتي، ان هذا القرار جاء بعد تمنّع بعض الشركات عن الرسو والهبوط في المرافئ والمطارات السورية نتيجة العقوبات المفروضة عليها، ليكون لبنان عبر هذه الخطوات، جسر الإنسانية للعبور الى سوريا.

موقف “حزب الله” كان بديهياً، نسبة للعلاقة المتينة التي تجمع الحزب مع الدولة السورية، وكذلك نسبة للحضور العسكري لـ”حزب الله” في الداخل السوري منذ بدء الحرب. بادر الحزب فوراً إلى تقديم يد العون والمساعدة، وكذلك ارسال مسعفين متطوعين من “الهيئة الصحية الإسلامية”، للمساعدة في عمليات الإنقاذ، ووضع كل إمكانات الحزب اللوجستية والاجتماعية بتصرّفهم.

أما حركة “أمل”، فالفتور في العلاقة بين الدولة السورية و”الحركة”، وتحديداً بين الرئيس بشار الأسد والرئيس نبيه بري، لم يمنعها من تقديم الواجب الإنساني تجاه الشعب السوري، وبإيعاز من الرئيس بري، توجهت فرق إسعاف وإنقاذ من الدفاع المدني التابع لكشافة “الرسالة” الإسلامية، الى سوريا للمساعدة في أعمال الإغاثة. فهل تفتح هذه المبادرة باب عودة العلاقة السياسية التاريخية بين سوريا و”أمل”؟

على خط مواز للتحرك الرسمي، لم يكتف اللبنانيون بالمواساة فقط، بل تمكنوا عبر المبادرات الفردية والجماعية، من تأمين مساعدات عينية، من أغطية الى ملابس وحفاضات وحليب أطفال، وغيرها، وارسالها مع المجموعات التي ستتوجه الى سوريا للمساعدة في أعمال الإغاثة.