“اليونيفيل” جزء من الخيارات المطروحة للبنان.. في زمن التحولات!

/ جورج علم /

زار وزير الخارجيّة والمغتربين عبدالله بو حبيب الناقورة، فُرش أمامه السجّاد الأحمر، واستقبل بحفاوة، وأجرى محادثات مع قيادة قوات “اليونيفيل”، في توقيت يحتضن ملفين:

  • التجديد لمهام “القبعات الزرق”، في آب المقبل.
  • ترسيم الحدود مع فلسطين المحتلة.

وتحضيراً للحدث الأول، بدأت الخارجيّة اللبنانية سلسلة اتصالات واسعة، مع الأمم المتحدة، ومع الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي، والأخرى المشاركة في عديد القوات الدوليّة، لتأمين تمديد هادىء، لا يحمل متغيّرات، ولا ينطوي على منغّصات، تشغل الجانب اللبناني بتحديات لا يريدها، أو لا قدرة له على مواجهتها.

هناك مؤشرات أربعة، على الأقل، تحضّ على القيام بهذا التحرك، لاستكشاف الأجواء الدوليّة، والتأكد من عدم وجود “جيوب هوائيّة” مزعزعة للإستقرار، ولحالة “الستاتيكو” السائدة في الجنوب، منذ مدّة طويلة.

المؤشر الأول، الإعتراضات التي تواجهها دوريات تابعة “لليونفيل” في العديد من القرى، والبلدات الجنوبيّة. وهذا ما أدى إلى احتجاجات، ورسائل متبادلة بين الأمانة العامة للأمم المتحدة في نيويورك، وبين الدوائر الرسميّة المعنيّة في بيروت، للبلاغ، والإطلاع، والقيام بالمستطاع.

الثاني، القرار 1701، وما تبقّى من بنود لم تنفّذ بعد، وتدخل في صلب المهمّة التي أوكلت الى “اليونفيل”، وحتّمت على أعضاء مجلس الأمن انتداب “القبعات الزرق” إلى الجنوب لوضعها موضع التنفيذ.

الثالث، دخول أطراف جديدة مسلّحة على المعادلة السائدة عند “الخط الأزرق”، تقوم بإطلاق صواريخ باتجاه فلسطين المحتلة. هذه الجهات معروفة الهويّة، والهوى، والإنتماء، والغرض، ولكّنها “مجهّلة” إعلاميّاً، لأن لا مصلحة لأي طرف محلّي في صبّ الزيت على النار. لكن دوليّاً هناك “فاتورة” جاهزة، و”عمليّة كشف حساب”، ستتم في أي توقيت تختاره الدول المؤثّرة في مجلس الأمن، وفق مقتضيات مصالحها.

الرابع وهو الأخطر، القلق المتنامي في صفوف إحدى الفعاليات المؤثّرة في الساحة الجنوبيّة من التحول الثقافي المتناغم ما بين الأهالي، وعناصر القوات الدوليّة. والأمر لا يتعلّق هنا بالمصاهرات، بل بالمتغيرات التي طرأت على بيئة محافظة لها تقاليدها الصارمة، وقد أصبحت أكثر انفتاحاً، وقابليّة لفتح النوافذ لإنعاش الخصوصيات المتوارثة، الأمر الذي لا تتقبله تلك الفعاليات.

ويبقى ما تقدّم مجرّد زبد على شطّ بحر صور، إذا ما أُخذت بعين الإعتبار المحاولات الإسرائيليّة ـ الأميركيّة الدؤوبة، والهادفة إلى تغيير مهام “اليونيفيل”، وتحويلها إلى قوّة عسكريّة ضاربة، وتعزيز صلاحياتها، وتوسيع رقعة إنتشارها، لتشمل مناطق لبنانيّة أخرى، والدخول الى مخابىء الأسلحة غير الشرعيّة، واقتحام مناطق مشبوهة، محظورة حاليّاً، كلّ ذلك تحت شعار تنفيذ كامل مندرجات القرار 1701، وتمكين الدولة من فرض نفوذها على أراضيها.

وبدأت هذه المحاولات مع اكتشاف حقل “كاريش”، وحاجة تل أبيب إلى ترسيم الحدود، للبدء بالإستثمار ضمن بيئة ممسوكة أمنيّا بتفاهمات محليّة، وضمانات دوليّة. وجرت المحاولة الأولى في آب 2019، عندما أصرّت الولايات المتحدة على تعديل مهام القوات الدولية بحيث تتصرف بحريّة أكبر، ومن دون التنسيق مع الجيش اللبناني، إلاّ أن المحاولة أحبطت تحت ضغط عنصرين مؤثرين: عدم حصول توافق بن الدول الخمس الكبرى الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، وصاحبة حق النقض “الفيتو”. ثم تهديد دول مشاركة في عديد “اليونيفيل” بسحب كتائبها من الجنوب، حرصاً على سلامة عناصرها.

وتكرّرت المحاولات تباعاً، وفي كلّ مرّة كان يتقدم فيها لبنان بطلب رسمي لتجديد مهام “لليونفيل”، كانت البعثة الأميركيّة الدائمة لدى الأمم المتحدة تطالب بتعديل عملها، وتوسيع رقعة الإنتشار، إلاّ أن المعارضة الدوليّة كانت تحول دون تحقيق ذلك، فهل تغيّر “المزاج؟”.

واقع الحال أن غموضاً كثيفاً يلفّ المرحلة.

  • دوليّاً: هناك منازلة كبرى في أوكرانيا، بين روسيا من جهة، وحلف “الناتو” من جهة أخرى، بقيادة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وهذه الحرب المفتوحة تؤكد صعوبة التوصل إلى تفاهم على مشروع قرار في مجلس الأمن يصبّ في هذا الإتجاه.
  • إقليميّاً: هناك تحولات كبرى في المشهد الإقليمي. الولايات المتحدة تعود إلى المنطقة، والخليج تحديداً، تحت شعار استحداث حلف “ناتو” إقليمي، قوامه عدد من الدول العربيّة، وإسرائيل، “لمواجهة التحديات الأمنية”، فيما الهدف الرئيسي، ضمان نفط وغاز الخليج. ثم عودة إيران إلى مفاوضات فيينا للتوصل إلى اتفاق نووي، وهذا ما أعلن عنه مفوّض الإتحاد الأوروبي للسياسة الخارجيّة، والأمن، جوزيب بوريل بعيد زيارته طهران مؤخراً. فيما الهدف حاجة أوروبا إلى غاز إيران ونفطها للتعويض عن الغاز الروسي.
  • إقليميّاً أيضاً، حاجة إسرائيل الماسّة إلى مظلّة أمنية دوليّة موثوقة في الجنوب للمباشرة في استثمار حقل “كاريش”، والسماح للباخرة اليونانيّة “إنرجين” المباشرة بالمهمة التي استقدمت من أجلها، وذلك تحت مظلّة وارفة من الضمانات الأمنيّة.

ويبقى العامل الأهم مرتبطاً بالمشهد الأمني والسياسي اللبناني الداخلي، في هذه المرحلة المصيريّة الحبلى بالمتغييرات، والتحديات التي تواجه النظام، والصيغة، والكيان. وآخر الكلام أن لا حل، ولبنان بحاجة إلى “صديق”، و”الصديق” كناية عن مظلّة دوليّة ـ إقليميّة منسجمة تحدد الخيارات، وتفرض المخارج، واحدة منها، توسيع رقعة إنتشار “اليونيفيل”، لمؤازرة الجيش في بسط الأمن الشرعي على كامل التراب اللبناني.